النكبة الكبرى

بقلم: حازم محمد زعرب

النكبة الكبرى
كنا نسمع ونقرأ عن النكبة الفلسطينية عام 1948 حين هُجِّر الفلسطينيون من ديارهم غصباً، وأخفيت معالم بلادهم لصالح إقامة كيان صهيوني محتل على أرضهم، حيث تشرد قرابة المليون فلسطيني عن وطنهم وهدمت قراهم التي فاق عددها الخمسمائة، وارتكبت العصابات الصهيونية فيهم مجازر عدة، ولم تمحى آثارها من الذاكرة الى تلك اللحظة، حيث لا زال الفلسطينيون يعانون تلك المأساة بكل أشكالها في حياتهم اليومية منذ ذلك التاريخ.

كانت تلك هي النكبة الاولى والتي مر عليها ستة عقود ونيف، لكن النكبة الكبرى وقعت اليوم وفي عدوان القرن الحادي والعشرين الذي يتشدق فيه العالم الحر بالديمقراطية والحريات العامة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ففي هذا العام من هذا القرن هُجّر عشرات الالوف من بيوتهم قسرا تحت ضربات الصواريخ التي لم تنتظر خروجهم ولم ترحم صغيرهم ولا كبيرهم ، ولم تكن تلك الصواريخ تحمل ذرة من الاخلاق حين انهالت على بيوت الامنين القابعين في منازلهم لا يحملون سلاحا ولا ينوون كفاح، فهدمتها على رؤسهم وحرقت الاخضر واليابس من تحت أقدامهم ولم تنظر بعين العطف للاطفال الامنين ولا للنساء اللاتي يقرن في بيوتهن.

هذه الجرائم التي ترتكبها آلة الغدر الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين تحت مرأى ومسمع من العالم وبغطاء غربي أمريكي ، والتي كان آخرها مأساة رفح اليوم حيث أوقعت الدمار في كل مكان ، وراح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، حيث لم يكن احد يتخيل أنه في القرن الواحد والعشرين ولا حتى في القرون السابقة ان يتم قصف المدنيين وهم يرفعون الراية البيضاء معلنين انهم امنين غير محاربين، الا أنهم يقصفون عقابا للمقاومة على تصديها للاحتلال.

لم تكن مجزرة رفح هي الاولى ولن تكون الاخيرة في ظل صمت دولي وعربي مدقع، وتقاعس من المنظمات الدولية واعطاء الضوء الاخضر للاحتلال الاسرائيلي بارتكاب مزيد من المجازر والمآسي بأبناء الشعب الفلسطيني، حتى لا يفكر أحد مرة أخرى بمقارعة الاحتلال ولا حتى بمجرد التفكير في التصدي لمحاولات طمس الهوية الفلسطينية وإخفاء معالم الكيانية الفلسطينية التي يعمل عليها الاحتلال البغيض ليل نهار.

في النكبة الاولى كان تعاطفا دوليا كبيرا مع المنكوبين المهجرين من بيوتهم وتلاحما عربيا مع أبناء جلدتهم، في النكبة الاولى كانت الحدود مفتوحة لإغاثة ما تبقى من الشعب الفلسطيني على الارض المحتلة ، في النكبة الاولى كانت القرارات الدولية تظهر نوعا ما من التعاطف مع الشعب الفلسطيني ، في النكبة الاولى كان الفلسطينيون يحذوهم الامل في العودة يوما ما الى موطنهم الاول ، لكن النكبة الكبرى هي ان يقتل الفلسطينيون بدم بارد ولم يجدوا أي تعاطف دولي مع المنكوبين وصار الانحياز الدولي الى المحتل المجرم على حساب الشعب الفلسطيني المكلوم سمة دولية، في النكبة الكبرى نجد القرارات الدولية تدعم المحتل وتشد على يد الظالم ضد المظلوم والمكلوم، في النكبة الكبرى صار ممنوع على الفلسطينيين ان يحلموا حتى في العودة الى موطنهم الثاني والثالث بدلا من الموطن الاول ، وفي النكبة الكبرى أيضا انفرط عقد التلاحم العربي وصار العرب أعرُبا وعروب، فمنهم من يرى ويبكي، ومنهم من يرى ويضحك، ومنهم من يرى ولا يرى، ولا يعنيه ما جرى.

في هذا الواقع المؤلم فإن الفلسطينيين بحاجة أكثر من أي وقت مضى، إن أرادوا البقاء على هذا الكوكب؛ لأن يلتحموا أكثر وأن يشدوا على أيادي بعضهم البعض، وأن يخفوا معالم الخلاف البغيض ، ويلتحموا بكل طاقاتهم المتوفرة لديهم من أجل الصمود في وجه العدوان الدولي عليهم.