أرادوا أن يجعلوا من الوفد المفاوض في القاهرة وسيلة لتجفيف الدماء التي سالت على يد الاحتلال الصهيوني فاجتمع العرب على أن تكون تلك التهدئة ليست للتفاوض وإنما للنسيان؛ إلا أنهم لم ولا يدركون ويفهمون بأن الطرف المقابل هو صاحب كرامة وعزة وحياة وجهاد وأصحاب حق لا يمكن لسفيه أو جاهل أن يبعدهم عن تحقيقه وجلبه ولو بأسنانهم حتى تعود الكرامة لشعب فلسطين.
في فلسطين ولأول مرة الدقائق لها معنى كبير ومؤثر، هنا ولأول مرة نرى المفاوضات وسيلة مقاومة وليست مراوغة وتنازل، هنا يشعر أهالي الشهداء أنهم على أرض يقودها رجال لا تلهيهم كاميرات حمامات نساء أو عطور ونثريات وفنادق عن المطالبة بحقهم، هنا فلسطين التي عرفت عبر تلك الثلة المجاهدة أنها بإمكانها أن تصنع أطول بارودة قنص وطائرة دون طيار وأخطر نفق وتصنع الصاروخ ليس كما كان يشاع وتحديدا في الضفة الغربية أن الفلسطينيين سجلوا في "غينتس" أكبر منسف ومسخن وحبة قطايف وثوب تراث وغيرها من الجوانب التي جعلها من أطلق على نفسه "قيادة فلسطينية" هي هم كل المواطنين كما أحدث فكرة المغني.
هي فلسطين التي تعني فيها الساعة الثامنة الكثير لمن لم تجف دموعه بكاء على أطفاله وعائلته؛ هي الساعة التي تعني للاحتلال أنها لا تصدر عن جهة روضتها مغريات الدنيا وتخلت عن شعبها وقضيتها بل هي توقيت مهم جدا يدخل ملايين الصهاينة في مرحلة لطالما تمنوا أن تنتهي.
هي فلسطين الثامنة صباحا حينما تقول كلمتها بعد أن أمهلت من ادعى حرصه على القضية والدم الفلسطيني لتكون تلك الدقائق الحاسمة رسالة إلى أولئك المتباكين على الدماء أن زمن العبودية والانقياد وراء رغبات من قالوا عن أنفسهم إنهم قادة عرب - منهم من جاء بتزكية أمريكا وآخر بالمجازر وغيرها- وظنوا أن الشعب الفلسطيني يخاف وأن القيادة التقليدية التي اعتادوا عليها ستلغي فكرة الثامنة، جاءت الرسالة لتقول إن هذا الثامنة ليست بتوقيت أوسلو ولا طابا ولا "واي ريفر" ولا المقاطعة ولا التنسيق الأمني ولا ترهيب العرب ولا قصر الاتحادية المغتصب من قبل المجرم السيسي.. إنها بتوقيت الكرامة وهيهات هيهات للذين يعيشون بين الحفر والذين أقنعوا أنفسهم أن الحياة مفاوضات أن يفرقوا بين توقيت وتوقيت.