في ظـّل المشهد المأساوي الذي تعجز قواميس اللغة عن إيجاد مفردات تسطيع به وصف حجم الأهوال والدمار في قطاع غزة المحتـّل تاركة ًالصورة الحيّة تتحدث عن نفسها لمن أراد أن يعرف حقيقة ماجرى دون عناء ، تنطلق بعض الأبواق الصهيونية من وكر الإرهاب والجريمة المنظـّمة في الكونغرس الأمريكي أولئك المعروفين بولائهم الأعمى لكيان الإحتلال وهم يشكـّلون في كل الأحوال الغالبية من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين الخاضعين للجنة الشؤون الإسرائيلية العامة "الإيباك " والمنتمين لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذان يتداولان السلطة في الولايات المتحدة ذو الوظائف المنسجمة مع أصولهم الصهيونية بتبييض جرائم الحرب التي يندى لها جبين الأنسانية بحق المواطنين الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة المنكوب تحاول أن تبرّىء هذه الأصوات الحاقدة الصورة الشائنة لجيش الإحتلال بما اقترفه من مجازر وحشية تفوق استيعاب تصـّور العقل الإنساني من خلال ممارسة التضليل والنفاق عبر وسائل الإعلام الأمريكية المرئية والمقروءة الصفراء التي تسيطر عليها قوى النفوذ الصهيوني .
بطل القصة هذه المرّة عضو الكونغرس الأمريكي السناتور الجمهوري"تيد كروز" صديق اسرائيل الوفي الذي كتب مقالاً في صحيفة الواشنطـُن بوست سرد فيه أكاذيب تقشعرّ لها الأبدان عن المناقب الأخلاقية والإنسانية الصامتة لجيش الإحتلال حسب زعمه التي يفتقدها أقرانه من الجيوش الأخرى على وجه الكرة الأرضية إذ يقارن زيارته لأحد المستشفيات في مدينة صفد المحتّلة شمال فلسطين لبعض الجرحى السوريين الذين أصيبوا بالمعارك المحتدمة على تخوم هضبة الجولان وتم جلبهم للعلاج بالرغم من انتمائهم لدولة عدّوة كما يقول كي يصل إلى استنتاج مفاده أن جيش الإحتلال يعالج الناس من صواريخ الحروب الداخلية المجاورة لاعلاقة له بها من قريب أو بعيد ، بينما حركة حماس تستخدم المدنيين دروع بشرية لحماية نفسها وتجعل من أسفل المستشفيات مقرّات لها غير أبهةٍ بالسكان المدنيين ومعاناتهم ، متجاهلاً إعتراف أكثر من عشر منظمات حقوقية إسرائيلية بأن جيش الإحتلال إرتكب جرائم حرب طالت ألاف الضحايا من الأطفال والشيوخ والمسنين بما فيها استهداف مراكز الإيواء داخل المدارس التي وفرّتها وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وكذا جرائم الإعدامات لمواطنين وجدت جثامينهم مكدّسة فوق بعضها وهم مقيدي الأيدي جنوب قطاع غزة في مشهد يعيد بالذاكرة إلى الحقبة الفاشية التي سادت أبّان الحربين العالميتين الأولى والثانية والهلوكوست النازي .
إن أصوات هذه الطغمة التي تتربع على عرش صنع القرار في أمريكا وتهبّ لنجدة إسرائيل بالسلاح والعتاد والمال المخصّص لقتل المزيد من الفلسطينيين وتـُجيّش العالم بالوقوف إلى جانب القاتل ضد الضحية مسؤولة مسؤولية مباشرة بل وشريكة بالمذبحة المستمرّة على الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقة بالحرية والدفاع عن النفس في وجه اعتى قوة احتلالية غاشمة عرفها التاريخ المعاصر تصنّف بالقوة الرابعة في العالم تحت مبرارات أضحت مكشوفة الأغراض أمام القاصي والداني صُنعت في دهاليز أجهزة ووكالات المخابرات المركزية الأمريكية وعلى رأسها فزّاعة الإرهاب الذي يقف البيت الأبيض حائلاً بينه وبين التعريف القانوني له في إطار مؤسسات الأمم المتحدة لأغراض استخدامية تبرّر فيه لنفسها غزو الدول وافتعال الحروب تحت مسميات امتلاك أسلحة الدمار الشامل وتهديد الأمن والسلم الدوليين ورسم الخطط الجهنمية للسيطرة على مقدرات وثروات الشعوب كما حدث في أفغانستان والعراق وغيرهما ، فيما تنظر إلى حقوق الشعوب لنيل حريتها واستقلالها بأنه يندرج تحت مسميات الأعمال الإرهابية إذا تعارضت مع مصالحها الحيوية ومصالح تل أبيب الحليف الإستراتيجي الذي لايخضع للمسائلة أوالقوانين الدولية بفعل الحماية والرعاية التي تجعلها خارج نطاق المسائلة والمحاسبة .
بالأمس صعد نجم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون في عهد الفترة الأولى للرئيس أوباما الساعية إلى الثراء السريع أولاً ، وربما الدعاية الإنتخابية المبكـّرة للترشّـح عن الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة بعد عامين ثانيا ، حين فجرّت فضيحة مدوية طالت خبايا السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ذات الصلة برعاية المجموعات الإرهابية المتطرفة القاعدية والداعشية والملتحية من خلال الترويج لنشر مذكراتها في كتاب أطلقت علية "خيارات صعبة " طبع منه مليون نسخة تتناول فيه خطط التقسيم والتفتيت للمنطقة العربية دولة تلو أخرى استكمالاً لما بدأه جورج بوش الأب ثم الإبن ، لكنه لم يُكتب له النجاح أنذاك بفعل المقاومة في العراق وعوامل عديدة أخرى أدت إلى هروب الجيش الأمريكي من المستنقع الذي وضع نفسه فيه وأدرك الكلف الكبيرة الناجمة عن استمراراحتلاله وبالتالي تم الإستغناء عن خطط الغزو المباشر بأخر غير مباشرأقل كلفة باستخدام هذه المجموعات للقيام بالحروب الطائفية والمذهبية بالوكالة لاستنزاف مقومات الدولة القومية وتقسيمها ودفع القوى المؤهلة الأكثر تنظيماً في الواجهة السياسية بما يحفظ مصالحها الإستراتيجية الحيوية .
إن العدوان الذي بدأ في الضفة الفلسطينية ثم تدحرج إلى قطاع غزة لم يكن وليد الصدفة بعيداً عن هذه الأهداف الساعية إلى عزل القطاع عن محيطه الفلسطيني وفق ماتم الكشف عنه وبالتالي كان تشكيل حكومة الوفاق الوطني وخطوات إنهاء الإنقسام نحو رسم سياسة فلسطينية موحدة ساعة الصفر بالنسبة لحكومة التطرف والإرهاب لقطع الطريق أمام استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية لكن الرياح جرت بما لاتشتهي أهواء قادة الإحتلال وانقلب السحر على الساحر وبدلا من أن يحقق أهدافه الإجرامية سطـّر الشعب الفلسطيني أروع أيات الصمود والصبر والوحدة الوطنية الميدانية في كل مكان بالرغم من هول الجريمة ، وأحدثت المقاومة الصدمة لألة الحرب الصهيونية وجنوده المذعورين ، تجلى ذلك بحالة الهستيريا القاتلة للأطفال والشيوخ والنساء والبنى التحتية ودور العبادة والمستشفيات وكل ماله علاقة بالحياة الإنسانية إضافة إلى تشريد مئات الألاف دون مأوى ، أمام مرأى العالم الصامت المتخاذل الذي يتخذ من ازدواجية المعايير سلوكاً ثابتاً عندما يتعلق الأمر بكيان الإحتلال العنصري ، ويتغنون بالمصطلحات التي صنعوها وصدقوها ، ألم تقول قوانينكم ومواثيقكم ومعاهداتكم وشرعيتكم الدولية بأن الإحتلال هو منبع الإرهاب المنظـّم ومصدر كل الشرور في العالم ؟ .
لقد حانت لحظة الحقيقة التي لابديل عنها اختصارا للوقت والجهد والتي تتحطم كل المؤامرات على قوة سحرها ،هي الوحدة الوطنية السياج الحامي للمشروع الوطني ، وتجميع كافة الطاقات في مواجهة العدوان وفق رؤيا سياسة فلسطينية قائمة على الشراكة ، قادرة على الجمع مابين الجهد الكفاحي المقاوم للإحتلال العنصري الإرهابي ، والسياسي الذي يضمن الثوابت الفلسطينية والحقوق التاريخية وقرارات الشرعية الدولية من منطلق القوة والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية وفق متطلبات مرحلة التحررالوطني فلا ثقة بعد اليوم بالرعاية الأمريكية للعملية السياسية ولا الوعود الكاذبة التي تمنح الوقت والغطاء لتمرير سياسات الإحتلال الإستعمارية فالمعركة اليوم تنتقل من مكان لأخر وأخطرها مايجري الأن من انتهاك لحرمة المسجد الأقصى الذي يتعرض للتقسيم الزماني مقدمة للتقسيم المكاني وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه ، فهل يستفز ّذلك مشاعر العرب والمسلمين أم أن لاحياة لمن تنادي ؟ .