المنطقة اليوم، على فوهة بركان الفوضى، تغلي على لهيب التحالفات والمحاور السياسية والسيناريوهات المبيتة ، ضمن المخططات المرسومة والمعدة لتفتيت المنطقة كاملةً، والقضاء على كل عناصر البقاء والمقاومة فيها، بخلق حالة مخاض جديد، خدمةً لأمن الكيان الصهيوني وفجور عدوانه على الشعب الفلسطيني .
في هذا المناخ صمدت غزة وكتبت فصلا جديدا من التاريخ المضاد للتاريخ الرسمي العربي الآخذ إلى التيه في صحراء الاستسلام للعدو الإسرائيلي ، حيث صنع الشعب الفلسطيني بطولات فيها النصر وبوابة التحرير، واكد ان ما بين الزيتون خلط أوراق في معركة المصير ، حيث ستكشف الايام للعرب وللعالم مدى البطولة الأسطورية التي أبداها الشعب الفلسطيني بصموده وثباته وقدرته على التضحية بالنفس والمال والبيت تصديا للعدوان وتمسكا بإرادة المقاومة وحقوقه الوطنية دون أي استعدادا للاستسلام أو للتفريط بشبر من الأرض.
لهذا نقول ان ما قدمه شعب فلسطين في غزة الصمود من تضحيات يؤكد على الروح والمعنوية، الوطنية والقومية التي أحرزتها مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة على هذا العدوان الهمجي الإجرامي، وهو ما يفوق بكثير مدى الخسائر البشرية والمادية والإنسانية الهائلة التي دفعها هذا الشعب المناضل ثمنا لإصراره على التمسك بأرضه وثباته العظيم في إعلاء إرادته، والدفاع عن قضيته.
ومن هنا تتراكم صور العدوان على غزة، إلا أن الفصل في ما بينها واضح، كل صورة تعلمنا حقيقة ما يجب ان نعمله وما هو المخفي الذي يتخذ منها، من المؤسف ان أبرز تلك الصور تقدم لنا واقعا نصدق ألوانه، ومؤداه أن العرب ليسوا في موقع الوسيط في الحرب، بل إن بعضهم مشارك فيها، مؤيد لها، وعامل على تسعيرها.
ونحن اليوم نفقد الأمل بحراك عربي مؤازر لأهالي غزة، سوى في لبنان وسوريا والجزائر ودعوات الاحزاب العربية في تونس ومصر والاردن والمغرب ، لكن لم نسمع من النظام الرسمي العربية وجامعة دوله الا بعض الكلمات العربية الخجولة التي خرجت مؤخرا وتناولت ما يجري ضد الشعب الفلسطيني في غزة لم تشر لا من قريب أو بعيد للمسبب في هذه الحرب، بل لم ترد كلمة إسرائيل في كلماتها القليلة عن ذلك العدوان الذي تهتز له الأرض.
ولابد أن نؤكد بان الورقة الفلسطينية الموحدة لا تتعلق، فقط، بالهدنة وشروطها في غزة، ولكنها، في العمق، تؤسس لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، وتجديد الشرعية الوطنية الفلسطينية؛ بذلك تكون المواجهة الدامية في غزة قد حققت إنجازاً نوعياً على وحدة الموقف السياسي ، وذلك من خلال النأى بنفسه، إلى هذا الحد أو ذاك، عن المحاور الإقليمية وصراعاتها، وترسيم تهدئه بشروط الكل الفلسطيني .
لم تستطع إسرائيل بجبروتها خلال شهر من العدوان ورغم تبعاته الكارثية إحداث خلل في معادلة الصراع ، ولم تتمكن من تدمير البنى العسكرية، ومن إضعاف المقاومة، شل قدراتها.. ، وأظهرصمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة العديد من الحقائق، بدءاً من تظاهرات شعبنا الحاشدة في أراضي الـ،1948 إلى الهبة الشعبية المستمرة في الضفة الفلسطينية، مروراً بالتضامن الشعبي العالمي الواسع، والردود الرسمية المنددة بالعدوان في الكثير من الدول، مقابل فشل سياسة العدوان في تحقيق أهدافه، رغم تكلفته الدامية.
عكس صمود غزة وفلسطين بأسرها، نفسه على مكونات كيان الاحتلال وحكومته الارهابية، وأظهر نقاط ضعفهم، وما يعانيهم من تخبطات في سياق التعاطي مع غزة عنواناً وفلسطين أساساً.
فإن إصرار غزة على حل نهائي لأسباب هذا العدوان ومنع تكراره، مستندة إلى صمودها ومقاومتها، يفرض نفسه على أية مبادرة، وبضمنها المصرية، وما رافقها من (جهود) إقليمية و(دولية) تأخذ بالحسبان واقع الصمود والمقاومة وأهدافهم المشروعة.
وفي هذا السياق ننظر بتقدير واهتمام إلى الوفد الفلسطيني الموحد، الموجود في القاهرة، لبحث المبادرة المصرية المستنده الى الورقة الفلسطينية، لتشمل متطلبات فك الحصار الجائر، والخلاص من تبعات الاحتلال غير المباشر، ومنع تكرار العدوان.