أحدث العدوان الإسرائيلي على غزة تطوراً في الوعي الجماهيري لسكان قطاع غزة، وربما لسكان الضفة الغربية، حيث أصبح المستحيل بالنسبة لهم ممكناً، وصار الحديث عن زوال إسرائيل في متناول الجميع، وكأن دولة إسرائيل التي تعيش في عز عظمتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وسطوتها الإعلامية إحدى خرافات الماضي، وصارت منتهية.
فهل كلام الناس في غزة هلوسة حرب بسبب الحصار، وهول الدمار، وكثرة العائلات التي سحقتها الطائرات، حتى ملأت المقابر، وعبأت الثلاجات؟
وهل الناس في غزة يعيشون زمن الخرافة، بعد أن أفقدهم شدة القصف اتزانهم العقلي؟ أم أن لحديث الناس في غزة مستند تاريخي وديني وسياسي وعلمي؟
قرأت في كتب اليهود أن حكماءهم السياسيين قد تمعنوا في تجربة الصليبيين على أرض فلسطين، وأدركوا أن الذي قوض دولة الصليبيين، وكان السبب المباشر في هزيمتها على يد صلاح الدين هو انعزالهم عن الغرب، وقطع جسور التواصل معهم، وفي المقابل كان تحالفهم مع بعض الدول في الشرق سبباً مركزياً في تدمير الدولة الصليبيبة، لذلك أوصى حكماء اليهود أولئك الذين سيقودون الدولة من بعدهم بأن يكونوا حذرين في تحالفهم مع دول الشرق، وأن يكونوا حريصين على تواصلهم مع الغرب، وعلى عدم قطع جذورهم من هناك.
جاءت الحرب على غزة لتؤكد وقوع اليهود في المحظور السياسي الذي حذر منه حكماؤهم، وهذا ما أظهرته التصريحات الإسرائيلية لأكثر من مسئول أشار إلى أن دولتهم قد شكلت حلفاً في المنطقة يضم عدداً من الدول العربية، يلتقي جميعهم على هدف واحد، وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية، حتى أن شمعون بيرس قال: حركة حماس هي المعزولة في المنطقة العربية، أما نحن فقد بتنا من أصحاب البيت، وضمن حلف عربي موحد وقوي.
تلك التصريحات الإسرائيلية الرسمية عن الحلف العربي الإسرائيلي لم يتجرأ أي زعيم عربي على إنكارها، أو تكذيبها، أو حتى الخجل منها، حتى صدقنا حقيقتها.
في مقابل الحلف العربي الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية، فقد أحدثت الحرب على غزة قطعاً بين الأوروبيين الذين ثاروا في الشوارع ضد العدوان وبين الإسرائيليين الذي رضعوا خيرات أوروبا لعشرات السنين، وقد تجلى هذا القطع في الاعتراف الإسرائيلي أن العداء لليهود في أوروبا قد زادت بنسبة 100% بعد الحرب على غزة، حتى أن الخارجية الإسرائيلية قد أوصت اليهود في الدول الأوروبية بعدم التحدث باللغة العبرية، مع ضرورة إخفاء ملامحهم التي تشير إلى ديانتهم حين الذهاب إلى الكنس اليهودية.
لقد أشار اليهود في نشراتهم الإخبارية إلى العداء المتنامي ضدهم في أوروبا، حتى أنهم تحدثوا عن الملصق الذي ينتشر في أوروبا، تحت عنوان "كان هتلر على حق"! وقد ذكر الإعلام العبري أن بعض مطاعم بلجيكا، وضعت يافطة كتب عليها، مسموح للكلاب وممنوع على اليهود.، وذكر الإعلام العبري أن الشعب الإيطالي بدأ يقاطع المحلات التجارية التي يمتلكها اليهود، ووصل الأمر أخيراً بالاتحاد الأوروبي ليقاطع الفواكه المستوردة من إسرائيل.
فهل وقع اليهود في الخطأ الاستراتيجي حين تحالفوا مع بعض الأنظمة في الدول العربية؟ وهل كانت أحاديث أهل غزة عن تصفية الدولة العبرية لها مستند تاريخي؟