على الذين أعطوا الحق لإسرائيل بقصف غزة تحت حجة الدفاع عن نفسها، وأولهم الرئيس الأميركي "باراك أوباما"، ووزير خارجيته "كيري"، والرئيس البريطاني "كاميرون"، والرئيس الفرنسي "فرانسو هولاند"، الاعتذار للشعب الفلسطيني، وتحمل المسؤولية عن المذابح التي قامت بها إسرائيل ضد المدنيين في القطاع ، وحسب بيان الأمم المتحدة فإن 86% من الضحايا الفلسطينيين من المدنيين، وأما الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" -الذي سبق أن منح إسرائيل حق الدفاع عن نفسها- فقد ندد بممارسات إسرائيل وطالب بتقديمها للمحاكم الدولية، ووزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" قال أن إعطاء إسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها لا يبرر ذبح الفلسطينيين، المدنيين وأطفال غزة، وأنه يتوجب على الدول العظمى عرض حل سياسي يفضي لنهاية الحرب بين إسرائيل وحماس، وينهي الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت، فإن الحاجة لحل سياسي تتطلب فرض حل الدولتين، وضمان أمن إسرائيل حسب الوزير الفرنسي.
رئيس حزب العمل الإسرائيلي المعارض يطالب بحل سياسي على أساس حل الدولتين أيضاً، مؤكداً أنه لا يمكن إنجاز كل شيء عبر القوة العسكرية، ورئيس الحكومة التركية "أردوغان"، الذي اتهم إسرائيل بقتل شعب، قارن أعمالها بأعمال النازية، وقال: " إسرائيل تقتل الأمهات لمنعهن من الإنجاب، وتقتل الأطفال حتى لا يكبروا، ويقتلون الرجال كي لا يستطيعوا الدفاع عن وطنهم، وأنه سيأتي اليوم الذي ستدفع فيه إسرائيل ثمن أعمال القتل والتدمير هذه"، فهذا العدوان وصور الدمار والقتل في غزة، أحدث هزة عنيفة، وانقلاباً جارفاً في العالم ضد إسرائيل، كذلك زعزعة الاقتصاد الإسرائيلي، مما أدى إلى تخوف إسرائيل من محاكمات دولية في جرائمها، مما جعلها تشكل طاقماً خاصاً لإعداد ملفات دفاعها عن جرائمها في مواجهة محاكم جرائم الحرب.
لقد نجح عدوان الإبادة والدمار الإسرائيلي على قطاع غزة بتذكير العالم بطابع إسرائيل العدواني، الشبيه بأعمال النازية في الحرب العالمية الثانية، لكن آلة الحرب الإسرائيلية، فشلت في تحقيق أهداف العدوان، وكان أول هذه الأهداف، القضاء على صواريخ المقاومة، وأن أحداً لم يأخذ بجدية الطلب الإسرائيلي بأن تصبح غزة منزوعة السلاح، مقابل إعادة اعمارها، وفشل في تحقيق الأمن والهدوء للمستوطنات في الجنوب، والحد من قدرة المقاومة العسكرية، وتدمير بنيتها التحتية، وكي يزعم "نتنياهو" بتحقيق الانتصار بأنه دمر الأنفاق التي سببت الخوف والذعر للمستوطنين، فقد غادر أكثر من 40% منهم إلى وسط البلاد، ويرفضون العودة خشية مما تبقى من هذه الأنفاق ويقولون:" نخشى مفاجآت المقاتلين الفلسطينيين وأن يصلوا إلى بيوتنا"، فحركة حماس أكدت أن عدداً من الأنفاق ما زال قائماً.
ومع دخول الهدنة، بدأت الاتهامات المتبادلة بتحميل القيادة السياسية الإسرائيلية القيادة العسكرية مسؤولية الفشل، والعكس بالعكس، حتى أن "نتنياهو" أخذ يتعرض لانتقادات لاذعة من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن المحللين الإسرائيليين، وحتى من قبل بعض وزرائه، واعترفت جريدة "هآرتس 1-8-2014"، بأن "نتنياهو" كان يتمنى التوصل لوقف إطلاق النار وإلى التهدئة، مستنجداً بوزير الخارجية الأميركي "جون كيري" طالباً منه -حسب "جريدة يديعوت احرونوت 29-7-2014"- التدخل لوضع نهاية للحرب، وهذا دليل آخر على فشله في تحقيق أهداف الحرب، وهناك وزراء هاجموا "نتنياهو" لعدم قدرته على إخضاع حماس وصواريخها، وجاء رده:"إنكم تهاجمونني أثناء المعارك، وهذا غير مقبول"- "يديعوت احرونوت 1-8-2014"- والعلاقات بين "نتنياهو" ووزير خارجيته "ليبرمان" مقطوعة ولا يتكلمان مع بعضهما البعض، والسياسيون يتهمون "نتنياهو" بالتردد، لكن "نتنياهو" والجيش سيعلنون عن الانتصار مهما كانت النتائج، مع وجود تناقض في التصريحات بين "نتنياهو" ووزرائه، في القضايا المطروحة، ونقلت جريدة "هآرتس 5-8-2014"، أن "نتنياهو" يعترف أن إسرائيل لم تتمكن من تدمير منظومة حماس الإستراتيجية، وبنيتها التحتية خلال العدوان، وأفضل مثال على الفشل ما قاله العميد احتياط "افيغدور كهلاني"، قائد الجيش في حرب عام 1967، والوزير السابق:"على إسرائيل الاعتراف بالحقيقة، أن حماس لقنتنا درساً في هذه الحرب".
إن للقوة حدود، وأن الحلول العسكرية غير قادرة على إيجاد الحلول السياسية لمثل هذه الصراعات، والمحلل السياسي لجريدة "هآرتس 3-8-2014"، يوسي فرتر" اعتبر أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، يحمل "نتنياهو" مسؤولية كبيرة، وهذه إهانة غير مسبوقة، لكن "نتنياهو" يكابر، ففي مؤتمره الصحفي حسب "يديعوت 3-8-2014" كان عابساً ومكتئباً وكاد يفقد صوابه، و"نتنياهو" ووزير حربه "يعالون" اعتقدا أن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، سيتوقف بسرعة، وأن حماس تريد وقف إطلاق النار، وهذا لم يتحقق، وهذه الاستنتاجات لم تكن واقعية، وللاستمرار في خداعه للإسرائيليين ابتكر شعارات جديدة، أنه لا يوجد تسوية بلا وجع رأس، وأن الجيش سيعمل وفقاً لتقديراته الأمنية، وحسب "القناة السابعة للتلفزيون الإسرائيلي 1-8-2014"فإن وقف إطلاق النار من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي يساوي الاستلام، بينما تنتظر حماس بفارغ الصبر جر الجيش الإسرائيلي للتعمق في غزة.
لم يكن انهيار هدنة الـ "72" ساعة مفاجأة لأحد، دون استجابة إسرائيلية داخلية، وقد تعصف بالائتلاف الوزاري، وإذا استمرت الهدنة دون تحقيق الإنجازات المطلوبة، فإن ذلك يعني بأن الدماء الفلسطينية التي سالت والدمار الذي حل بقطاع غزة، ذهب دون ثمن، فمن باستطاعته تحمل مسؤولية ذلك بين الجانب الفلسطيني، فرفض إسرائيل إنشاء ميناء غزة غير مبرر، إذ أن اتفاقيات أوسلو نصت على إنشائه، وبوشر العمل في إقامته، إلا أن إسرائيل قامت بتدمير بنية الميناء التحتية في أعقاب انتفاضة الأقصى عام 2000، أما المطار الذي أقيم في محيط مدينة رفح، وبوشر بتشغيله طيلة عدة سنوات، دمرته أيضاً إسرائيل عام 2000، قد يتفق الجانبان من الناحية المبدئية، على أن يجري التفاوض على شروط تشغيلهما عندما يستقر الأمن، أما بالنسبة لفتح المعابر أمام حركة المسافرين والبضائع، يبدو أنه تحصيل حاصل على ان تشرف السلطة الفلسطينية على إدارة هذه المعابر، من الجانب الفلسطيني، وتشير المعلومات بأن توسيع مناطق الصيد هناك موافقة إسرائيلية حولها، وكذلك الأراضي الزراعية المحاذية للشريط الحدودي، أما بالنسبة لإطلاق سراح الأسرى في صفقة "شليت"، الذين أعادت إسرائيل اعتقالهم، ومع أن هناك تشدداً إسرائيلياً، إلا أن هذا التشدد قد يكون لعقد صفقة جديدة مقابل جثث بعض الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في الحرب، وبقيت جثثهم لدى المقاومة، فالمفاوضات الجارية صعبة لأسباب عديدة، لكن لا بد من التوصل إلى حل حول كافة هذه القضايا.
إن الخسائر والأضرار كبيرة لدى الجانبين، ووفقاً لموقع "واللا الإسرائيلي 7-8-2014"، فإن عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة بلغت "3356" صاروخاً، منها "2648" سقطت فعلاً في إسرائيل، وأن القبة الحديدية التي يروجون لقدرتها على التصدي للصواريخ أسقطت فقط "578" صاروخاً وفقاً للموقع الإسرائيلي آنف الذكر، وأورد المصدر أن الجيش الإسرائيلي هاجم "4762" هدفاً في القطاع، أدى إلى استشهاد "1865" فلسطينياً معظمهم من المدنيين، بينهم "429" طفلاً و"243" امرأة، وقد وصل عدد الجرحى إلى "9563"، منهم "2877" من الأطفال و"1853" من النساء، ودمرت "10.960"منزلاً و"141" مدرسة، وخمس مستشفيات.
في استطلاع للرأي العام الإسرائيلي "هآرتس 6-8-2014" رأى 51% من المستطلعة آراؤهم، أن أحداً لم ينتصر في هذه الحرب، التي كلفت الخزينة الإسرائيلية ما بين "15-20" مليار شيكل، "الدولار يساوي 4.22 شيكل"، وحسب المصادر الإسرائيلية، بلغت كلفة تجنيد الاحتياط والعتاد العسكري والذخيرة، والوقود نحو (10) مليارات شيكل، وخسائر الاقتصاد الأولية تسع مليارات، وسكان المستوطنات الجنوبية أخذوا ينظمون حركة احتجاج ضد الحكومة لفشل العدوان على غزة، وعدم استعادة الأمن والهدوء، وتعاظم خطر الأنفاق التي ما زال بين "5-8"أنفاق قائمة حسب تقديرات الجيش، التي تتطابق مع تقديرات حماس، وسيقيم المستوطنون خيمة احتجاج أمام مكتب رئيس الحكومة في القدس، وأمام مبنى الكنيست ومنزل "نتنياهو".
إن إسرائيل التي تصرف الأموال الطائلة لتصنيع القبة الحديدية، وفي إقامة جدران الفصل العنصري والاسيجة والسواتر الترابية، وتصفيح المنازل والمستشفيات والمؤسسات العامة، وبناء الملاجئ والغرف الأمنية، والمزيد من التسلح والحروب والاعتماد على القوة، والمزيد من القوة، كل ذلك لا يؤمن لهما الأمن، وما يؤمن لها الأمن هو إنهاء الاحتلال، الذي يقود إلى السلام، وهذا غير وارد في أذهان معظم الإسرائيليين.