كي لا نلحق الضرر بالحقيقة

بقلم: أسامه الفرا

من المقرر أن يتم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، المنبثقة عن مجلس حقوق الانسان، للتحقيق في العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية خلال هذا الاسبوع، ستضم اللجنة خبراء قانونيين وأحد الخبراء العسكريين، وستباشر اللجنة عملها فور تشكيلها ويستمر عملها لما يقارب ستة أشهر، على أن تقدم تقريرها النهائي في الاجتماع الرئيسي لمجلس حقوق الإنسان في مارس القادم، المدة الزمنية الممنوحة للجنة تقصي الحقائق طويلة نسبياً، وبالتالي سيكون لديها الوقت الكافي للاطلاع على تفاصيل الجرائم الإسرائيلية، وبغض النظر إن كانت اسرائيل ستتعاون مع اللجنة أم تذهب لمقاطعتها كما كان الحال مع لجنة غولدستون، إلا أن ما يهمنا أن التعاون الفلسطيني معها يجب أن يكون في أكمل صوره.

لجنة تقصي الحقائق هذه تختلف عن سابقتها «لجنة غولدستون» التي تم تشكيلها بعيد الحرب على غزة عام 2008 من حيث:

أولاً: أن حجم الجرائم التي ارتكبتها حكومة الاحتلال هذه المرة أكبر بكثير من سابقاتها، حيث المنازل التي هدمت على رؤوس قاطنيها بجانب حجم الدمار الكبير الذي طال بلدات وأحياء بأكملها ما زالت شاهدة على ذلك، يضاف إلى ذلك الارتفاع الكبير في عدد الأطفال والنساء والشيوخ الذين كانوا ضمن ضحايا العدوان، ناهيك عن الاستهداف الاسرائيلي الذي لم يقتصر فقط على منازل المواطنين بل لاحقهم إلى مدارس الإيواء التي تشرف عليها وكالة الغوث، بالاضافة إلى عمليات القتل التي مارستها قوات الاحتلال بحق مواطنين تم اعتقالهم كما حدث في بلدة خزاعة.

ثانياً: لجنة غولدستون جاءت في الفترة التي كان فيها الانقسام الفلسطيني على أشده، وهو ما عرقل كثيراً في نقل الرواية الفلسطينية، فيما اللجنة الحالية ستجد أمامها حكومة التوافق الفلسطينية، ولسان فلسطيني واحد باستطاعته تقديم كل ما لديه من معلومات موثقة حول أركان الجرائم التي ارتكبتها حكومة الاحتلال.

ثالثاً: الصلاحيات الممنوحة للجنة الحالية أوسع من سابقتها، وتقريرها يحتم على الأمين العام للأمم المتحدة والمدعي العام في محكمة الجنايات الدولية التعاطي معه.

أمام ذلك من الضروري أن تعمل السلطة الوطنية على التحضير الجيد، فبالإضافة إلى الحاجة الملحة لتجهيز تقرير شامل من قبل السلطة الوطنية يرصد كل صغيرة وكبيرة من جرائم الاحتلال، نحن بحاجة لنحدد مسبقاً ما الذي يجب أن تراه اللجنة؟، وما الذي يجب أن تسمعه؟، ومن هم الشهود الذين يجب أن تستمع اللجنة إليهم؟، وما هي الوثائق المطلوب تحضيرها لندعم بها الرواية الفلسطينية وندحض بها الأكاذيب الاسرائيلية.

إن إرتجالية العمل لا تفيد بالمطلق في هذا المسار، بل أنها قد تلحق الضرر بالحقيقة ذاتها، لذلك من الضرورة بمكان تشكيل لجنة مختصة تحت مظلة وزارة العدل وبمشاركة وزارة الخارجية وخبراء قانونيين وممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان العاملة في الضفة وقطاع غزة، تكون مهمة اللجنة التعاون والتنسيق مع لجنة تقصي الحقائق وإطلاعها على كل ما من شأنه أن يخدم القضية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته علينا من اليوم وضع استراتيجية بالخيارات المختلفة التي يمكن لنا أن نمضي بتقرير لجنة تقصي الحقائق فيها، كي لا يتحول التقرير لمجرد كتاب يلقى به على رفوف المنظمات الدولية، وبطبيعة الحال هذا يتطلب بالمقام الأول أن تفرغ السلطة من التوقيع على ميثاق روما والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية قبل أن تفرغ لجنة تقصي الحقائق من اعداد تقريرها.