رفيقي عماد حين رن حرس الهاتف وابلغني الرفاق انك رحلت شهيدا بقذيفة غادرة لم اصدق للوهلة الاولى ، فانت لا ترحل دون مقدمات هذا ليس من خصالك فمنذ ان عرفتك قبل اكثر من عقد ونصف من الزمن كنت تحضر بصخب تتنقل من غرفة الى اخرى وكنت ايضا تغادر بصخب تاركا خلفك ما ينذر بأنك كنت هنا . فلماذا غادرتنا هكذا هذه المرة بسرعة وصمت،،،، غادرت فجأة لكنها ايضا ليس ككل مرة انها الرحيل الابدي الذي يدمي القلوب وترك فيها غصة عصية على الزوال،،،، رحلت يا عماد شهيدا وانت تبحث عن اسرة نزحت بفعل الحرب لتؤمن لها مأوى ،، رحلت حاملا ربطة خبز لطفل فقد ذويه رحلت حاملا زجاجة ماء لعجوز ظل الطريق في رحلة النزوح. رحلت وانت تتصل بسيارة الاسعاف لنقل الجرحى الذين مزقتهم حمم القذائف الغادرة شرق خان يونس .. رحلت أيها رفيق الطيب ايها المشاكس الذي نحب وها قد مضى على رحيلك اكثر من اسبوعين و كان من واجبي أن اكتب حينه كلمات لرثائك قبل ان يجف دمك الطاهر ، ولا استغرب أبدا في انك الان تتقلب في ثراك متسائلا والبسمة ترتسم على شفاك لماذا لم أرثيك حتى الان ،، ابو علي اظنك ستعذرني وانت تعرف أن سيل من الدماء تدفق الى ان غادا نهرا لما يقارب الالفي شهيد وعشرة الالاف جريح ،،، عماد ايها الرفيق المشاغب حينا والطيب دائما صدقني انني كلما مسكت القلم لأكتب في رثائك منذ لحظة استشهادك كان الدمع يغلبني وما ان اخط كلمة الا ويتحول حبرها الى دمع ودم على رفيق رحل وهو في أوج العطاء ، رفيق اختلفت معه في بعض الاحيان لكنني احببته كل حين،،،، يا عماد سنفتقدك ايها الرفيق المشاكس الودود ولفترة ليست قصيرة ستغدو لقائتنا واجتماعاتنا رتيبة خالية من نكشاتك التي كانت تضفي حيوية على النقاش ، لقد كنت ايها الرفيق مشاكسا لكنك كنت مخلصا ودودا طيب القلب تعرف كيف تميز بين العلاقات الحزبية و العلاقات الشخصية فكنت كلما اختلفنا اجدك تبادر بالسؤال والاطمئنان عني وعن الاسرة فردا فردا إنها خصال الرفاق الاوفياء التي ميزتك وستبقى وساما على صدرك ،، رفيقي الطيب كنت انت كما نحن نجتهد ونخطئ لكنك لم تفقد البوصلة يوما بوصلة الدفاع عن الوطن والحزب والانحياز للفئات الكادحة من العمال والفلاحين والمزارعين والشباب الذي وقفت الى جانبهم في اشد الاوقات صعوبة فأحبوك وافتقدوك كلهم .
حين هاتفني الرفيق رائد ابو زايد بعد ظهيرة يوم قائظ ليبلغني بخطورة اصابتك وضرورة نقلك للعلاج في مصر سارعت بأجراء الاتصالات اللازمة لذلك لكن الوقت لم يسعفنا فقد رحلت بعد ان مزقت قذيفة غادة احشاؤك وحين أكد لي الرفاق نبأ استشهادك كنت في القاهرة وحيدا اتابع عمل اخبرتك به حين هاتفتك معزيا باستشهاد والدك،، حينها يا رفيق كم كان وقع الخبر ثقيلا ومؤلما علي وما زال حتى اللحظة ’ مؤلم ان تتلقى نبأ استشهاد رفيق عزيز وانت وحيدا وما اصعب ان تكون وحيدا دون ان تسمع كلمة تواسيك بفقدان عزيز في حال كهذه تذرف بغزارة دما بدلا من الدمع ،لقد بكيتك كما يبكى الرجال على الرجال بكيت وبما يشبه النحيب ولم يتوقف نزيف الدمع الا حين قررت العودة الى وجه السرعة فكتب رسالتي للأمين العام ابلغه انني سأغادر فورا الى غزة واغلقت هاتفي ، غادرت وكلي امل ان أحظى برؤية وجهك الباسم قبل ان توارى الثرى كنت أود التطلع اليك بنظرة الوداع الاخيرة ملفوفا بعلم فلسطين وراية الحزب الذي احببت كنت اتخيل نظرتك الينا مبتسما ساخرا منا تحن الذين بقينا على قيد الحياة ونترك دمنا سلعة يتاجر بها كل من يجيد تجارة الدم ، كنت اود ن اصرخ وأقول هكذا هم نحن نموت وافقين فوق الارض وبصدورنا نتلقى القذائف ، نموت بشرف وشهامة تماما كما استشهدت وانت تحمل ربطة خبز وزجاجة ماء لأسرة نازحة فقدت بيتها جراء القصف المجنون .. لكنني وصلت بعد تشييعك بساعات فقد كان العدوان على اشده وسارع رفاق دربك ومحبيك بتشييعك في جنازة مهيبة تحت وابل من القذائف التي كانت تنهمر فوق رؤوس الناس الى مثواك الاخير حيث ترقد بسلام الى جانب والدك الذي رحل قبلك بأسبوع .
ابو علي ايها الصديق الحبيب بعد رحيلك زرت والرفاق عائلتك اكثر من مرة وفي كل مرة تغالبنا الدموع ونحن استمع لوالدتك وهي تحدثنا عن خصالك التي نعرفها ، يغلبنا الدمع ونحن نلتقي اطفالك ، لفد داعبت سوار ابنتك الطفلة التي لم تتجاوز الخمسة شهور انها تشبهك الى حد التطابق وتحمل خصالك كما هم ابناءك وبناتك ، لقد رحلت ابا علي مبكرا وتركت لنا يا رفيقي ارث كفاحيا به نعتز ونفتخر ، وسنبقى لك ولأسرتك اوفاء كما تربينا في حزبنا فنم قرير العين ايها الرفيق وسنبقى نحن عاجزين عن حبس دموعنا كلما تذكرناك.
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
[email protected]
15—8-2014