الاعلامي الأمريكي الشهير جون ستيوارت في برنامجه الساخر "ذي ديلي شو" وجه انتقاداً لاذعاً للإدارة الأمريكية حول موقفها من الحرب الاسرائيلية على غزة، حيث وصف ادارة أوباما بعازفة الحروب، مطالباً الرئيس الأمريكي بأن يقول مرة واحدة لاسرائيل لا، لم يكن حديث ستيوارت قفزة في الفضاء الغربي تعقيبا على الحرب الاسرائيلية على غزة، بل أن مدينة شيكاغو الأمريكية شهدت مظاهرة تنديدا بالعدوان هي الأكبر منذ سنوات عدة، انضم إليها لاحقاً العديد من العواصم والمدن الغربية، قبل أن تحط المظاهرات رحالها في جنوب أفريقيا.
الملفت ليس في الحراك الشعبي في العديد من المدن الغربية المندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، بل في الموقف الذي اتخذته دول أمريكا اللاتينية، حيث اتسم موقفها بالكثير من التقدم عن دول العالم المختلفة بما فيها الدول العربية والاسلامية، حيث طالب رئيس بوليفيا "ايفو موراليس" بضرورة محاكمة اسرائيل أمام المحكمة الدولية، واتهم رئيس فنزويلا "نيكولاس مادورو" اسرائيل بممارسة حرب ابادة ضد الفلسطينيين، وقاد شخصياً حملة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحملة لجمع التبرعات، والشيء ذاته فعله رئيس الأوروغواي، فيما رئيس نيكاراغوا طالب البابا بإستخراج الشيطان الذي يسكن نتانياهو، فيما اعتبرت كوبا أن ما تقوم به إسرائيل بحق الفلسطينيين يشبه إلى حد كبير محرقة هتلر ضد اليهود، وكذلك الحال جاء موقف كل من تشيلي والبرازيل والإكوادور مندداً بالعدوان الاسرائيلي على غزة ، وتبنت كولومبيا "المؤيدة لإسرائيل" خطاباً يحمل اسرائيل مسؤولية الاحداث.
لا شك أن الموقف المتقدم لدول أمريكا اللاتينية والذي تنامى في دعمه للشعب الفلسطيني على مدار السنوات السابقة يعود إلى استحواذ القوى اليسارية والتقدمية على المشهد السياسي في العديد من دول أمريكا اللاتينية، وسبق لكل من فنزويلا وبوليفيا أن قطعت علاقاتهما الدبلوماسية مع اسرائيل ابان الحرب على غزة عام 2008.
على الجانب الآخر لا شك أن موقف دول أمريكا اللاتينية فضح موقف الدول العربية والإسلامية، حيث تراجع كثيراً الموقف الرسمي والشعبي في الدول العربية والاسلامية المندد بالجرائم الاسرائيلية عما كان عليه أثناء الحرب على غزة عام 2008 وعام 2012، رغم أن حجم الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في غزة هذه المرة يفوق بكثير ما كان عليه في حربها السابقتين على غزة، وإن عجزت الأنظمة الرسمية العربية والاسلامية على تبني موقف مندد بالعدوان الاسرائيلي يتماشى مع حجم الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل، إلا أن الموقف الشعبي هذه المرة لم يختلف البتة عن موقف النظام الرسمي، حيث غابت التظاهرات المنددة بالعدوان على غزة عن شوارع العواصم العربية، بإستثناء تلك المظاهرات الخجولة التي سارت بإستحياء في بعض المدن العربية.
لا شك أن موقف دول أمريكا اللاتينية من الحرب الاسرائيلية على غزة يشكل إهانة كبيرة لموقف الدول العربية والاسلامية، وفي الوقت ذاته يعزز لدينا ضرورة تبني سياسة فلسطينية خارجية، تتعامل مع محيطنا الإقليمي والدولي، قائمة على قاعدة العمل على خلق الأصدقاء لا على صناعة الأعداء.