الحديث عن مفهوم السلام يثير الاهتمام والاعجاب والى حد التفاؤل وبناء الآمال والطموحات من اجل تحقيق الامن بكافة مفاهيمه ومدلولاته والتي توفر للمواطن حريته الانسانية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية كما يوفر السلام في ذات السياق الامن الشخصي والعام على مستوى الأفراد والمجتمع وحدود الدولة التي تعيش بأمن وسلام من خلال حدودها وعبر مساحة أرضها وأجواءها وبحرها .
مفهوم السلام لا يخرج عن اطار الحرية والسيادة الكاملة والتجارة البينية وحرية التنقل واستقلالية المرافق السيادية كالمطار والميناء والمنافذ الحدودية وجميعها تخضع لقوانين دولية متعارف عليها واليات العمل بها واضحة ومحددة .
الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة لم تكن في يوم من الأيام ساعية للسلام العادل والشامل والذي يحقق السيادة الفلسطينية والحرية الكاملة للأرض والانسان بل عملت اسرائيل على استمرار عدوانها واحتلالها وبناء مستوطناتها وسرقة مياهنا والاستيلاء على خيرات بلادنا وفرض الحصار علينا وممارسة العقاب الجماعي والاغلاق على مدننا وقرانا ووضعها ككانتونات منعزلة عن بعضها البعض تفصل بينها اما مستوطنة اوحاجز عسكري يمنع الدخول والخروج .
هذه المفاهيم الاسرائيلية العنصرية الاحتلالية الاستيطانية لمفهوم السلام المزعوم كما الأمن المزعوم تحاول فرضه علينا وممارسته بحقنا تجاهلا لاتفاقيات موقعة ومنها اوسلو بالعام (93) والتي كانت عبارة عن ثلاثة مراحل تنتهي بالعام (99 وبدء المفاوضات النهائية لإنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود الرابع من حزيران( 67 ) وعاصمتها القدس الشرقية وتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بعودة اللاجئين خاصة القرار( 194 ) والتي لم ينفذ منها الا المرحلة الأولى وجزء من المرحلة الثانية لاتفاقية اوسلو والتي رسخت من وجود الاحتلال وانشاء المزيد من المستوطنات واستمرار المماطلة والتسويف في كافة اللقاءات التفاوضية وعدم تنفيذ أي استحقاق سياسي وأي بند تفاوضي تم الاتفاق عليه كما الحال في اتفاقية باريس الاقتصادية والتي تم الاعلان عنها والتوقيع عليها وفي ديباجتها الأولى حرية التنقل للأفراد والبضائع وفتح كافة المعابر التي تربط بين شقي الوطن وحتى حرية العمل داخل اسرائيل .
اتفاقيتين سياسية واقتصادية لم ترى النور ولم ينفذ منها الا الجزء اليسير في ظل مماطلة اسرائيلية مستمرة وفي واقع سلطة وطنية لا حول لها ولاقوه وكأن اسرائيل ارادت من هذه الاتفاقيات أن تضعنا في سجن كبير وفي ظل سلطة مقيدة تتعرض بشكل دائم ومنذ تأسيسها لملاحقات واستهدافات في محاولة دائمة لإضعافها وابراز عدم قدرتها على حل معضلات ومشاكل الشعب الفلسطيني .
هذه السياسة الاسرائيلية التي ترفع شعار السلام المزعوم كما الامن المزعوم على حساب سلام شعبنا وأمننا... حريتنا... كرامتنا... وسيادتنا... وحقنا المشروع بإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس انما تؤكد عن السياسة العنصرية التي تمارسها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ومنذ اوسلو وحتى الان في ظل استهداف السلطة الوطنية والفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني بأسره ... الذي يؤكد على أن هذه الدولة المزعومة الارهابية لا تريد سلاما ولا أمنا ولا ازدهارا واقتصادا لشعبنا وانما تريد ان نكون تحت الاحتلال دون ان تدفع اسرائيل الثمن ودون ان تؤدي ادنى مسؤولياتها ازاء الشعب المحتل كما وتريد امنها على حساب امننا وتمارس القتل والتدمير والتوغل في الوقت الذي تشاء وحتى الاعتقال للمواطنين الفلسطينيين دون مبرر او سبب او حتى محاكمة عادلة .
هذه المفاهيم العنصرية الارهابية الاحتلالية تسقط مقولة السلام المزعوم والأمن المزعوم على اعتبار ان السلام لطرفين وليس لطرف واحد.. وان الأمن لطرفين وليس لطرف واحد.. وان الاقتصاد والازدهار وحرية التنقل والعمل لطرفين وليس لطرف واحد.. هذه النظرة الأحادية اصابت الساسة الاسرائيليين بالعمى وفقدان البصيرة والقدرة على احكام العقل والتوازن السياسي في واقع ما اعلن فلسطينيا عن اعتدال ورؤية سياسية واقعية بقبول دولة فلسطينية على ما مساحته 22% من فلسطين التاريخية حتى أن هذا الاعتدال لم تقبل به اسرائيل وعملت طوال السنوات الماضية على زيادة المساحات الاستيطانية واقامة الجدار العنصري والأحزمة الاستيطانية وكأنها تقول أنها تشاركنا فيما مساحته 22% وهذا ما يؤكد ان اسرائيل لا تريد السلام الا بمفهومها كما أنها لا تريد الأمن الا بمفهومها وتريد اقتصادا فلسطينيا ضعيفا معتمدا على المساعدات والمنح والقروض وما يمكن استقطاعه من ضرائب تحتجزها اسرائيل وتفرج عنها في الوقت الذي تريد .
المماطلة والتسويف وعدم الالتزام بالتعهدات وبناء مفاهيم السلام والأمن على حساب شعبنا ومقدراته أصبحت سياسة اسرائيلية واضحة ومكشوفة اعتمادا على تحالفات دولية تخضع لازدواجية المعايير التي تحكم مواقف الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي لهذا الكيان الغاصب واعتمادا على لغة القوة وما تمتلك اسرائيل من ترسانة أسلحة تحاول من خلالها فرض شروطها وبسط نفوذها واستمرار احتلالها متناسية ان السلام والأمن لا يعتمد على قوة البطش والعدوان وانما يعتمد على اعادة حقوق الشعب الفلسطيني .
واليوم واسرائيل تتفاوض معنا بالقاهرة من أجل أن يحقق شعبنا متطلباته الانسانية ومنها وقف العدوان وانهاء الحصار وفتح المعابر وحرية تنقل البضائع والأفراد واعادة تشغيل مطار ياسر عرفات الذي دمره الاحتلال بعدوانه المستمر وتشييد الميناء الذي تم افتتاحه وقص الشريط عنه بوجود الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وكافة المطالب ضمن الاتفاقيات الموقعة التي تتنصل منها اسرائيل وليس هناك من مطلب جديد يمكن ان يقال عنه في ظل ما نطالب به على الدوام من حقنا المشروع بتقرير المصير واقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
هذه المطالب الفلسطينية المشروعة التي نطالب بها منذ عقود طويلة وما نطالب به اليوم من متطلبات انسانية تقف اسرائيل حائلا دون تحقيقها وهي تهدد وتتوعد وكأن بإمكانها ان تستخدم قوتها العسكرية لفرض السلام والأمن المزعوم من وجهة نظرها على حساب السلام والأمن لشعبنا وهذا ما أصبح مستحيلا في ظل شهر كامل من العدوان والدمار وقتل الأبرياء من النساء والأطفال وتدمير الالاف من المنازل وما تم تدميره من بنية تحتية وما أثبت للإسرائيليين ان بقوتهم يستطيعون ان يقتلوا ويدمروا لكن قوتهم لن تستطيع ان توفر الامن والسلام لهم وهذه هي الحقيقة الثابتة التي يحاولون ان يتجاهلوها ويخدعون المجتمع الاسرائيلي بها لأن تضحيات شعبنا ومقاومته الباسلة قد أثبتت أن السلام والأمن لن يكون متوفرا للإسرائيليين الا اذا كان متوفرا للشعب الفلسطيني .
الكاتب/
وفيق زنداح