المحللون الجدد

بقلم: أسامه الفرا

خلال الحرب على غزة اصيب الاعلام بتخمة الخبراء والمحللين، جاء معظمهم على عجل دون مقدمات، غابت عنهم المعرفة فلم يمتلكوا من التحليل سوى التحايل عليه ببعض الكلمات والجمل القصيرة المنقولة، عجزت عن اختراق منظومة الوعي لدى المتلقي، فمرت دون أن يسقط شيء من رذاذها في ذاكرة المواطن، رغم ان الحرب شكلت قاعدة استماع جيدة لمن أراد أن يدلي بدلوه حول الحرب ومجرياتها، إلا أن ما عجت به الفضائيات من أسماء ومسميات أربك حركة المرور المعرفية.

وسط هذه الزحمة كان للإبداع والتميز مساحة، استحوذ على جزء منها الاعلامي ناصر اللحام، رئيس تحرير وكالة معا الاخبارية، عبر برنامجه المتميز "جولة في الصحافة العبرية"، من الصعوبة بمكان أن يتحول البرنامج الاخباري لنقطة استقطاب للمشاهدين، يحرص الكبار والصغار على متابعته، ينتظرون موعده ويضبطون مقاعدهم حول شاشة التلفاز، ، فهو بجانب ما يتمتع به البرنامج من أهمية في اطلالته على الداخل الاسرائيلي، يأتي أيضاً بإسلوب يجذب المشاهد وبخاصة حين تتغلغل الدعابة من مقدمه إلى عمق القرار أو اللاقرار الاسرائيلي.

قبل أشهر قليلة إبان الانقسام الفلسطيني، وجهت أصابع الاتهام لوكالة معا الاخبارية بالتحيز والنفاق وعدم المصداقية، وأغلقت مكاتبها في غزة قبل أن يسمح لها بالعمل من جديد، خلال الحرب على غزة لم تسقط فقط التهم السابقة لوكالة معاً، بل وصل إلى رئيس تحريرها الكثير من الثناء والمديح، ليس فقط على ألسنة العامة بل من خلال ما يلقى في المساجد من خطب ودروس، ولم يجد هؤلاء حرجا قي اقتباس بعض الجمل التي جاءت على لسان مقدم البرنامج.

لا شك أن آلة الحرب الإسرائيلية، وهي تنثر القتل والدمار في قطاع غزة، دفعت قاطنيه للبحث عن صور من داخل المشهد الإسرائيلي تنقل لهم الخوف الذي إنتاب جبهتهم الداخلية، والتخبط الذي أصاب قيادتهم، وليس هناك قولاً حول ذلك أكثر مصداقية مما تنقله قنوات الاحتلال ذاته، فيما يتولى الاعلامي ناصر اللحام الترجمة الفورية لما يقولونه، بطريقة ينفرد بها عما سواه عبر ما يضيفه من تعليق بين الأسطر والكلمات، تعليقات تجمع بين الجدية والسخرية تتحول معها إلى ماركة مسجلة بإسمه.

إن طبيعة النفس البشرية تروق دوماً لسماع ما ترغب في سماعه، لا تطرب لسماع ما ينغص عليها بغض النظر عن مدى مصداقيته، المواطن يتطلع لمن يجلب له التفاؤل لا لمن يغرقه بصور التشاؤم المختلفة، المحللون الجدد لدينا تعنيهم المفردات أكثر من الفكرة ذاتها، ولا يبحثون عما يلامس الواقع والمعطيات، بقدر ما يلتزمون بانضباط انتمائهم، الملفت في المحللين الجدد أن المواطن يعرف مسبقاً إلى أين سيمضون بجملهم المنقولة.

المحللون الجدد يستعينون أحياناً بلغة الأرقام المتعلقة بحجم الضرر الذي أصاب القطاعات المختلفة، كيف يمكن لأي كان، سواء كان خبيراً في ذات الشأن أم لا علاقة له البتة فيها، أن يحدد الرقم المتعلق بالخسائر دون أن يكون هنالك عملية حصر دقيقة لمتعلقاتها؟، لعل أرقام الخسائر التي يتم تداولها والتي تتمدد وتتقزم دون معرفة، هي بذات المنهجية في التحاليل السياسية التي يتناولها المحللون الجدد.

لعل برنامج جولة في الصحافة العبرية الذي ابتعد عن كل هذا التخبط جعل منه محط اهتمام العامة والخاصة، وتفرد بها بعيداً عن المساحة الضيقة التي يعمل فيها المحللون الجدد.