خرابيش (12)

بقلم: نبيل عبد الرؤوف البطراوي

كأنه القدر يأتي دون أن يشعرنا بلحظة القدوم ليضفي لونه على كل الألوان لتفوح رائحته دون أن تعطي أمل لأي رائحة سواها على الظهور وهنا تتجلى صور الكائنات كأنها دون صور من قبل , فهل أتت من العدم أو لم تكن منظورة ,ربما حالة التنافر في التواجد جعلت حالة التناقض في أمكانية التجانس والتعايش فلا يعقل أن يوجد القمر والشمس في نفس الزمان وأن كان لهم تواجد في نفس المكان حيث حالة الغروب والشروق تتقاسمها كثير من الأشياء ولكن حالة التقاسم المكاني والزماني ليس بالتأكيد تتبعها حالة التناغم الزماني فلا يمكن أن يتعايش الظلم مع العدل ,خاصة بشكل جزئي أو فردي وأن كان هناك أمكانية أن يكون سواد أحد المتناقضين في مجموعة ما من أن يشكل حالة قبول ورضى فلو ساد الظلم على جماعة ما فهذا يسمى عدل لان الظلم هنا ساد على الجميع بتساوي ,ولكن لو وقع الظلم على مجموعة بشرية بعينها دون غيرها أو كان هناك انتقائية في تطبيق القانون الذي يرجى منه أن يكون أساس العدل فأن هذا يكون ظلما ,وهذه الحالة في مسار الإنسانية بحاجة الى الكثير من تفعيل منظومة القيم الإنسانية التي أسكنها رب الكون كخاصية بشرية فطرنا عليها لتعم المحبة والسعادة بين الناس دون النظر الى العرق واللون والدين ,فكما نحن سواء أمام الخالق يجب أن نكون كذلك أمام القوانين الوضعية التي وضعها الانسان لتنظيم العلاقات بين البشر فوق المعمورة وهنا أي خلل في التطبيق والتمييز بين الناس يعم الظلم والفساد وهنا تتعدد الصور وتبدأ حالة التنافر بين المخلوقات البشرية وتبدأ حالة الصراع التي يكون في الغالب وقودها الاشلاء والدماء والتشرد وتدمير الاحلام والآمال وزرع الالآم لتعدم المشاعر الإنسانية ,وهنا السؤال كيف من الممكن ان يكون القبول برسم ابتسامة على وجه طفل ما مقابل ان يعم البؤس والشقاء والتشرد والقتل على وجوه مجموعات كثيرة من الاطفال الاخرين ,على الرغم من تشدق المؤسسات الدولية والقوى التي تدعي حماية العدل على الارض بوجود قانون يحمي الجميع ,كيف من الممكن أن ننمي أمل بين مجموعة من الأطفال في مجتمع ما مقابل ان نهدم هذا الأمل لدى مجموعات اخرى في مكان ما ,وهنا لا تستقيم سيرورة الكون الطبيعية بل تنعدم معها أمكانية العيش بسلام وتصمت أدوات المحبة والمودة والسلام ويعم الموت ويسود وترفع الشعارات التي تتغذي في الغالب على نزعات لا إنسانية ويكون مقومات خلودها ونموها وبقائها هو دماء وأوجاع الآخرين التي تحرمهم هذه الشعارات وأصاحبها حقوقهم وأمالهم وأحلامهم وحرياتهم التي تصبح بلا سقف حماية وخاضعة لرغبات وشهوات ونزعات غير إنسانية, فصباح اسم له حلم له أمل له ذكريات باتت قصة ,ولكن قصة بلا عنوان بلا زمان الانها ادخلت في عالم الرقم فسجلت بلا اسم فلم يعد مكان للأسماء من شدة التزاحم ,وهنا لم يعد صباح ,صباح ذاك الشروق اليومي ليصبح منارة الكون يعطه الأمل ببداية يوم جديد حينما فتحت عينها لتجد نفسها على سرير الشفاء وتجد نفسها معصوبة اليدين والرأس لتسأل أين أنا ؟لماذا أنا هنا؟ أين أمي ؟أين أبي وأخوتي ؟وهنا الكل من حولها صامت وكأنها تعليمات المخرج ,لا يستطيع أحد أن يجيب !على الرغم من أنهم جميعا يمتلكون الجواب ولكن حالة صباح كانت تفرض عليهم جميعا الصمت فلم يكن احدا قادرا ان يقول لصباح بأن صباحك تغير وتبدل فلم يعد ذاك العش الذي كنتي تمرحين وتعيشين وتحلمين به موجود ,كما لم يعد الحضن الدافئ الذي كنتي تبحثين عنه حينما تستيقظين أو تعودين من المدرسة موجود ,لم يعد الأخوة والأخوات موجودين ولكن بإمكاني اليوم فقط البحث عنهم بين ثنايا الذكريات ,وبين ألبوم الصور عفوا بين ما تبقى من صور متناثرة بين الركام والاحلام قبل أن تتبخر بفعل حرارة حمم الموت التي ألقاها قتلة الأطفال والأحلام ,وهنا وبعد أن تمكنت صباح من الوقوف على قدميها والعودة الى بقايا الركام بدأت تبحث بين أكوام الركام وكأنها تقلب الصفحات في كتابها المدرسي الذي تمزق بفعل القذائف ,لتجد شيء ما زال مكتوب على أوراقها عله يسعفها في تنشيط ذاكرتها فجأة تجد صباح بعض الصور التي أخذت تلتقطها بلهفة لتعانقها وكأنها تعانق من عايشوها الزمان والمكان وهنا تبدأ بالحديث والدموع تملئ عينيها مخاطبة أمها التي لا تراها في تلك الصورة التي تشخص أمامها لتحدثها وتداعبها وتقذفها بوابل من الاسئلة وكأن الغياب طال او سيطول ,دون ان تنتظر الجواب ,فالجواب بين يديها أصبح صورة ,السؤال الاخير الذي طرحته صباح وهي تعلم الجواب هل ستعود الروح الى الصورة؟ وهل سيعود الاشراق الى الصباح ؟
نبيل عبد الرؤوف البطراوي
21-8-2014