انتصار غزة والتقارب المطلوب بين المسارات

بقلم: فهمي شراب

كشفت معادلة المد الفلسطيني أمام الجزر الإسرائيلي بان هناك مقاومة حقيقية في غزة، ورجال صدق، وتضحيات من القادة قبل الجند. وان الكف ينتصر على المخرز، وان النصر قريب وان (إسرائيل) ليست أكثر من " بيت عنكبوت"، غير أن ما يبقي هذا البيت هو النظام العربي الكلاسيكي، الذي يتمترس خلف عقلية النكسة والنكبة المتكلسة، والتي ترفض أي حقائق جديدة أخرى، وترفض ان ترى الصواريخ القسامية تدك العمق الإسرائيلي، وترفض ان تسمع شهادات جنود الاحتلال الذين انسحبوا بريا وهم لا يصدقون بأنهم خرجوا أحياء، مما رأوا من شراسة وجرأة فلسطينية باغتتهم من مسافة (صفر)، جعلتهم ينظرون أمامهم مرة ويلتفتون خلفهم عشرة مرات.
اصطف الفلسطينيون عام 1991 يشاهدون صواريخ صدام حسين وهي تسقط على (إسرائيل)، وكان ذلك بمثابة حلم لم يكتمل،، وها هي الفرحة تملئ قلوب وعقول أهلنا في الخليل والضفة الغربية كلها وهم يشاهدون هذه الصواريخ الفلسطينية تدك المغتصبات والمصانع والشوارع والبنايات الإسرائيلية مستهدفة جنودا، مستبعدة المدنيين، في مسلكيات أخلاقية عالية قل نظيرها.
هذه المقاومة قدمت أكثر مما كنا نتوقع، وتقدمت في الأداء والمخزون العسكري أكثر مما كنا نتوقع، ونالت من جنود الاحتلال بما فيهم النخبة –جفعاتي- أكثر مما توقعنا، وأصابت أعداد بالآلاف من جنود الاحتلال تجاوز حدود توقعنا، فغزة الوحيدة التي فعلت ذلك، في ضوء متغير داخلي مناكف، وبيئة داخلية غير آمنة ومريحة، مع متغيرات إقليمية لم تشهدها القضية الفلسطينية منذ عام النكبة حيث المغير الإقليمي اقل ما يوصف به هو "عدائي"، ومتغير دولي ينظر ويتابع تلك العلاقات البينية التي تصب في صالحه ويتدخل لوضع حلول تنال من القدرة الفلسطينية والمصلحة الوطنية العليا.
فلو وجدت ظروف إقليمية أفضل، -كانت متوفرة في فترات قريبة- لكان طموح الوفد المفاوض سواء الذي كان في القاهرة او سيكون في أي مكان آخر هو؛ إخلاء مستوطنات الضفة والقدس، والانسحاب التام من المناطق الفلسطينية والمياه والأمن والحدود، وليست فقط المطار والميناء والمعابر، رغم أهمية ذلك!
ان الاصطفاف حول المقاومة هو واجب قومي ووطني وأخلاقي وإنساني وديني، وان مجرد الحيادية "NUTRALITY" تعتبر طعنة في خاصرة المشروع الوطني الفلسطيني، فما بالكم التآمر والتجسس على المقاومين وإحباط العمل المقاوم؟؟ إذن، يجب على كل فلسطيني أن ينصر القضية من خلال دعم المقاومة. ويجب ان يكون مواقف الجماعات الإسلامية كلها خلف المقاومة الفلسطينية، فقد كانوا يعتذرون عن المشاركة في القتال ويقولون لم يحن وقت الجهاد، تحت حجج واهية، فقد ثبت جليا بان كل الفلسطينيون مستهدفون، فلا تخذل جماعة جماعة أخرى، كما حصل في بعض الدول، فيصبح من اعتزل واحتجب نادم يوم لا ينفع الندم. وان الإساءة لأي فصيل او حزب فلسطيني هو إساءة للجميع، ففي الدول الشقيقة مثل مصر، فان تشويه سمعة المقاومة يعتبر ضررا فتحاويا بامتياز، إذ المجتمع المصري لا يفرق بين حمساوي وفتحاوي وجهادي. فالصورة تشمل الجميع. فحاولوا الحفاظ على أرقى وأجمل صورة لنا جميعا كفلسطينيين..
ما يجب ان يكون مهما كانت نتائج تلك "الحرب" او بشكل أدق "العدوان" الإسرائيلي على غزة، أن نرى اقتراب المسار التسووي من مسار المقاومة وليس العكس. وان نرى اهتمام كبير من حكومة الوفاق أو التي قد تتشكل قريبا من الشارع الفلسطيني، حيث الإنسان الفلسطيني أنهك وما عاد يحتمل تبريرات وتسويفات لأموره الحياتية المستعجلة والحيوية ، وهي ابسط حقوقه.
فالإنسان الفلسطيني يحتاج إلى اكبر قدر ممكن من الجهد الحكومي، واكبر جهد ممكن من جميع المؤسسات الرسمية والغير رسمية ((NGOS، لكي تزيل عنه آثار العدوان المتكرر، فلا يجوز- على سبيل المثال- أن نجد اسر شهداء عدوان 2008-2009 وعدوان 2012، ما زالوا لا يعرفون مِن مَن يتقاضون مخصصات الشهداء! ونجدهم إلى هذا الوقت يطالبون بشكل من التسول اهتمام ورعاية حكومية؟
فلا يمكن بعد هذه المعركة مع الاحتلال ان نرى تلكؤ وتردد لدى الحكومة في التعامل مع موظفين غزة الذين يقدمون الخدمات الطبية والشرطية والأمنية في أقسى الظروف بدون رواتب منذ شهور طويلة؟
الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا، وبعد هذه التضحيات لن يقبل أي تقصير حكومي وخاصة انه خاض عن الجميع اشرف وأنبل المعارك ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. ومطلوب ان يكون تقارب بين جميع الفصائل والاحزاب يباعد الخلاف والاختلاف الفلسطيني.
[email protected]
كاتب من غزة.