من أصعب الصراعات التي تحدث في عالمنا المعاصر ،هي تلك التي تكون الحالة السائدة بها من جمود سياسي هي عدم الاستقرار الدائم ، وعدم الحسم النهائي ..يعني ذلك أن يتحول الصراع من مرحلة الحرب إلى منطقة ضبابية معتمة الرؤية ..لا يمكن أن نسميها بالحرب الباردة ولا الساخنة أو حرب الاستنزاف ولكن يمكنا أن نطلق عليها اليوم "المنطقة الحرجة بين اللاحرب واللاسلم " والحمد لله أن تلك المنطقة لا يمكن أن تصمد وتستمر طويلا من الجانب الفيزيائي والسياسي والعسكري ويعني ذلك أن هذا الوضع هو أشبه ما يكون في منطقتنا العربية كما في الصراع المتأجج في الأراضي الفلسطينية ، وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي المتغطرس ..فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي ليس فقط على قطاع غزة بل في أراضي الضفة أو الأراضي المحتلة وإلا ونجد أن العراك يصل إلى قمة الاشتعال وما يكاد إلا وتتدخل جهات إقليمية أو عربية فتطلق مبادرة للتهدئة ،والتي لا تستمر سوى أيام قلائل تحت مسمى " هدنة إنسانية " رغم تحفظي على ذلك الاصطلاح لأن الأصل في الناموس الكوني والإنساني هو السلم وليس الحرب ..هو المحبة وليس الكراهية والعداء ..لكن بعض النفوس البشرية تأبى أن تعيش بهدوء وسكينة ووئام فتسعى للفساد في الأرض بداية من الصراعات الداخلية ..وبين الأطماع وحب الأنا وحب السيطرة والاستبداد ..ومن هنا كانت تدق طبول الحروب منذ بداية التاريخ ،ولم تتوقف إلى يومنا هذا ..عودة سريعة مني إلى تلك المنطقة الحرجة التي ذكرتها ،هو أن اليوم وبعد فشل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وهذا الأخير هو الذي يتحمل تبعيات أي تصعيد قائم لتعنته ولخرقة للتهدئات ونقضه للعهود ،وهذا أمرٌ ليس بجديد على بني يهود ..كانت الناس في قطاع غزة منذ بداية العدوان الذي أصبح على مقربة من الشهرين ..كانت تلتزم بالبيوت تخوفا و تحسبا للقصف والتدمير الذي طال كل الأماكن وبلا استثناء ،ولكنها مع تزايد البطش الاحتلالي لطائرات العدو التي باتت تقصف بشراسة وبصورة عشوائية البيوت الآمنة فتدمرها على رؤوس ساكنيها ..وبعد الفشل السريع لكل المساعي الرامية إلى وقف شامل لإطلاق النار،وبعد فشل التهدئة وتحقيق أدنى مطالب الشعب الفلسطيني الذي يفتش عن الحرية والعيش بكرامة كبقية شعوب الأرض ..وهكذا اكتسب الشعب مناعة فطرية بإرادته وصموده ،وتحديه فخرج من بيته ليمارس حياته بصورة شبه طبيعية رغم معرفته أنه يمكن استهدافه في أي لحظة من قبل طائرات العدو سواء أكانت طائرات هجومية بدون طيار أو طائرات حربية مقاتلة أو تحت قصف المدافع .. إلا انه بات لا يأبه بذلك كثيرا .. حيث ازداد الحراك الجماهيري في الشوارع والأسواق والمحال التجارية ..حتى الباعة بعرباتهم أولئك الذين يفتشون عن لقمة العيش من أجل أبنائهم قد عادوا من جديد يجوبون الشوارع والطرقات برغم طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المذعورة و التي تحلق فوق رؤوسهم ..والتي في لحظات قد تطلق صواريخها تجاههم فتحولهم إلى أشلاء ممزقة يصعب لملمتها من بين بضاعاتهم المنثورة والمختلطة بالدماء ..لكنها أسطورة التحدي وحب الحياة ..وإيمانا ويقينا منهم بان الموت بيد الله وحده سبحانه وتعالى ..وهكذا وصلت بنا الأمور إلى مرحلة المنطقة الحرجة التي يتجاهل الناس اليوم فيها أن الحرب لا زالت مستعرة ،وان القصف العدواني يتجدد يوميا ولا تهدئة رسمية ،قد يسألني البعض وهل يمكن أن تستمر الأوضاع بهذه الصورة مابين قصف إسرائيلي كفعل ومابين رشقات صواريخ فصائل المقاومة على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية كرد فعل طبيعي للدفاع عن النفس ..طبعا لا.. وما أتوقعه هو استسلام العدو الإسرائيلي الذي يبحث عن مخرج لمغادرته تلك المنطقة الحرجة فيضطر آنفا أن يرضخ للمطالب الفلسطينية ليس كل المطالب على الأقل بعض المطالب الهامة والتي منها إنهاء الحصار الجائر ،ووقف العدوان وفتح المعابر وهذا يمكن أن يتم عما قريب بقرار أوضغط دولي يلزم إسرائيل بالموافقة وعلى ألا يكون ذلك بمنأى عن المبادرة المصرية ..عموما وبرايى الشخصي أني أثمن دور كل الجهود الرامية ،والتي تسعى لوقف العدوان وكبح جماح جبروته وتحقيق مطالبنا كشعب فلسطيني ..سواء أكانت تلك الجهود عبر ورقة مصرية أو شجرة دولية فليس المهم الأوراق أو الأشجار ..بل الأهم هو أنّى لنا أن نجني الثمار ..وكفانا عذابات وكفانا جراحا وويلات ..!!