كنت أنتظر اللحظة التي تضع الحرب أوزارها وأن نضمد جراحنا ونلملم آلامنا ونعيد الابتسامة إلى أطفالنا بعد أن ننزع الرعب من قلوبهم الذي خلفته دوي الطائرات و القنابل ونداوى جراح جرحانا، لكنني لم أحتمل السيناريو الذي قد نعيشه في هذه الأيام العصيبة و في كل لحظة بعد أن رفعت غزة وأبناءها رأس كل أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية بصمودها الأسطوري وما قدمته من تضحيات جسام بعد أن لقنت جيش الاحتلال دروسا في النضال، وعبرا في المقاومة والتحدي ،وعندما خرجت من غزة في اليوم العشرون للحرب شاهدت مدى الفخر والاعتزاز والشوق للاطمئنان على غزة وأهلها ولكني شعرت بالألم عندما تحدث معي قبل أيام أحد الإخوة عن عشرات وربما مئات الشباب المحجوزين بعد أن تم ضبطهم مع مئات المواطنين السوريين في عرض البحر أثناء رحلة هجرتهم لأوروبا وعشت هواجس تخيلت فيها كل السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في هذا الوقت الذي تعرض فيه أهلنا في قطاع غزه لعدوان بشع طال كل شيء فيها وأنتهك كل الحرمات وتجاوز كل الخطوط الحمراء وضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية وسألت نفسي ماذا سنفعل لو لا قدر ألله غرقت أحدى هذه الرحلات المسماة برحلات الموت وكيف سيكون المشهد الفلسطيني وأهلنا في غزة الذين لم يخرجوا من صدمة الحرب بعد يستقبلون توابيت العشرات وربما المئات في صدمة جديدة وماذا سيقول مسئولين السلطة والفصائل؟ قد يكون صحيحا أن المئات نجحوا في دخول إيطاليا ولكن كما يقول المثل (مش كل مرة بتسلم الجرة )واكتشفت أن طفل فلسطيني من غزة عمره ست أو سبع سنوات محجوز وتبذل جهود للإفراج عنه حتى الآن ، وكذلك عائلات بينهم صبايا وشباب في عمر الورود ، وأن أباء وأمهات يلقون أبناءهم في عرض البحر ليضمنوا مستقبلهم بعد أن بخل عليهم الوطن بالحياة الكريمة ، واعتقدت في البداية أن الأمر له علاقة بالحرب فقلت لبعضهم :- يا حيف على شباب تهرب من الشهادة لتموت في عرض البحر غرقا ، وسرعان ما تلقيت إجابات تحمل القيادات مسؤولية دمهم ومصيرهم بعد أن اختلفوا على الكراسي والمصالح على حد تعبيرهم و تركوهم بلا أمل أو مستقبل وأن الخوف والحرب والموت آخر ما يفكرون به ،واكتشفت أن الهجرة كانت قبل الحرب وأن شباب غزة يركبون أمواج الموت بحثا عن الأمل وهروبا من الظلم والقهر ،واستلوا سيوفهم ليحاربوا الجوع وقرروا أن يبحثوا عن الإسلام في أوروبا بعد أن كفروا ببلادنا وبلاد المسلمين ، وخلاصة القول هذه العائلات والشباب إذا ماتوا في عرض البحر خطيتهم في رقبة رئيس وقيادة السلطة وفصائل المقاومة التي تتحمل وزرهم وعلى رأسها حماس التي أدعوها على الفور لوقف حالة الانفلات والاعتداءات وإطلاق النار وفرض الاقامات الجبرية وكفي فالشعب كله قاوم ودفع ثمنا غاليا ومن حقهم جميعا من يحبكم ومن يبغضكم أن يعيشوا بكرامة في وطنهم وحافظوا على الصورة الطاهرة لغزة وأهلها أمام العالم ولا تسمحوا لبعض الموتورين بتشويهها والطعن بالصورة المشرقة والإساءة لكم وللوطن والشعب، وآن الأوان أن تضعوا يا قيادة السلطة والفصائل الوطنية والإسلامية غزة وأهلها تاج فوق رؤوسكم ،وأن تفتحوا بوابة الأمل على مصراعيها لشباب وصبايا غزة وخريجيها وأهلها قبل فوات الأوان وأن نعمل جميعا فور أن تضع هذه الحرب القذرة أوزارها النهائية لمصالحة مجتمعية تنصف المظلومين وتعيد الحقوق إلى أصحابها وتضمد جراح الانقسام وتخرج الجميع من دائرة الانتقام وأن نتوحد على مصلحة شعبنا الفلسطيني بشكل عام وغزة بشكل خاص ونعمل معا لبناء مستقبل زاهر لشعب يستحق الأمل فغزة هاشم وأهلها الذين وهبوا فلسطين والأمة العزة والكرامة يستحقون الحياة الكريمة والمستقبل الأكرم لشبابها وزهراتها وأشبالها.