انتصرت فلسطين بكسر الصمت المطبق على القضية الفلسطينية

بقلم: عباس الجمعة

انتصرت فلسطين رغم موازين القوى، انتصرت فلسطين بوحدتها وصمودها ومقاومتها وشهدائها ، عندما فشل كيان الاحتلال في تحقيق أهدافه من العدوان، وعلى رأسها تصفية المشروع الوطني الفلسطيني وكسر ارادة الشعب الفلسطيني، انتصرت فلسطين بكسر الصمت المطبق على القضية الفلسطينية والذي يشكل حصارا مضافا للحصار الاقتصادي – العسكري الخانق الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني.

اليوم القضية الفلسطينية تستعيد دورها امام العالم من خلال الشعوب والاحرار ، وما المسيرات الشعبية المؤيدة لفلسطين والمناهضة للعدوان الصهيوني المدعوم من الامبريالية الامريكية وحلفائها، الا تأكيدا على عزل كيان الاحتلال .

ولهذا نحن لا نتعجب حينما تخرج علينا تصريحات من هنا وهناك تعكر صفو الانتصار ، بدلا من تعزيز الوحدة الوطنية ، لان هذه تصريحات تثير الفتنة وتعزز حالة الانقسام ،فلا يجوز التشكيك من اي طرف بصمود وانتصار الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة، انتصار لا تشوبه شائبة، وغير خاضع للتشكيك أو الجدل، وفي نفس الوقت لا يمكن القول باي لغة كانت ومع أي نتائج افضت اليها المعركة ان الحرب انتهت بلا رجعة وان السلام عم وانتشر وان كيان العدو انهى الاحتلال والقتل و التهويد والاستيطان وهو مازال جاثما على الارض ، فعلينا ان نؤكد بأن المعركة في اولها ,رغم الصمود على مدار واحد وخمسين يوما من الحرب ، فعلينا شحذ الهمم في انتظار المعارك القادمة , نعم قد تكون المدافع توقفت وغبار المعركة ورائحة الموت رحلت مع غيوم الصيف الحارة بلا رجعة , نعم خفت رائحة البارود الى الدرجة التي تمكننا من تنسم عبير البحر مرة اخرى, وهذا يضعنا جميعا امام الخطوة التالية لوقف العدوان , انها خطوات وليس خطوة ,خطط وليس خطة واحدة ,خطط تتطلب من الكل الفلسطيني والتجهز لها على المستوى السياسي والدبلوماسي والشعبي والعسكري، واهم هذه الخطط واولها الخطة السياسية والاستراتيجية للعمل من اجل تحرير الارض وانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والبناء على ما اسسته المقاومة الفلسطينية في المعركة الاخيرة من نجاحات ووحدة وطنية لم يسبق لها مثيل في العمل الفلسطيني , لذا فان المطلوب اصبح خطة تحدد فيها سبل النضال الشامل والياته, قد تكون المعركة الحالية انتهت بالفعل و لكن هناك معارك أخرى بدأت وهي اقسي واعمق واكثر ضراوة من معركة المواجه في الميدان, أول هذه الخطوات التي تعتبر بحد ذاتها معركة هي الاستمرار في الجهد الوطني للعمل عبر وحدة وطنية فلسطينية تشمل الكل الفلسطيني ولا يتأتى هذا الا عبر تقعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية والاسراع في عقد الاطار القيادي لوضع الاليات والاجراءات المناسبة لتطوير كافة مؤسسات المنظمة , والخطوة الأخرى هي الاستمرار في معركة التفاوض بذات القوة والوحدة الوطنية حول القضايا التي تحقق للشعب الفلسطيني وحدة الجغرافيا ووحدة التمثيل السياسي والسيادة على الارض والبحر والجو ، وهذا يتطلب من كل الفصائل والقوى الوقوف خلف المفاوض الفلسطيني ، لن المعركة السياسية ستكون اشد من المعركة العسكرية وهي تستند لحقوق للشعب الفلسطيني التي تم الاتفاق عليها عبر اتفاقيات دولية وسحبها الاحتلال بالقوة و ممارساته الاحتلالية من سنوات.

هذه هي الحقيقة التي ارتسمت بدماء الشهداء على أرض غزة، وتناثرت حجارة مبانيها في كل مكان لتصنع صورة مؤلمة لكل من يراها أو يسمع بها، فكان الإحساس بالمرارة طوال واحد وخمسون يوماً على جزء كبير من وطن يدمر ويباد أبناؤه دون أن يحرك أحد ساكناً، وعلينا الحذر من المحاولات التي تستهدف وحدة شعبنا والتي ستزداد في المرحلة المقبلة، بعد ان فشل الاحتلال الاسرائيلي والمحاور الاقليمية بتفتيت ومصادرة قرارنا الوطني، وان الرد على كل ذلك هو بمزيد من الوحدة والتلاحم، فالوحدة الوطنية هي من انتصر في معركة غزة وهي وحدها القادرة على افشال هذه المخططات والمحاولات ،ويجب أن نعرف كيف نستثمر ما تحقق من نصر وصمود بعد ان أثبت الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وفلسطين التاريخية وفي الشتات والمنافي، وانصهره في بوتقة جميع القوى والفصائل والتفاف الجميع حول المقاومة ومطالب الشعب الفلسطيني رغم الدم الفلسطيني الذي سال ، وبالرغم من وجود نوايا وطنية صادقة ، إلا أن هناك دولا وجماعات وجدت في فلسطين وتحديدا في غزة الصامدة ، تربة ملائمة لصناعة حروب بالوكالة ، ولتمرير أجندتها المتعارضة والمتصارعة ، وكل من أصحاب هذه الأجندة والمحاور يريد أن يسجل هدفا لصالحه تجاه خصمه ، على حساب الدم الفلسطيني ومستقبل القضية الوطنية الفلسطينية.

وفي ظل هذه الاوضاع المطلوب استثمار الهبة الشعبية العالمية ومواقف دول امريكا اللاتينية فيما يتعلق بالتحرك على المستوي الدولي الذي يحتم الاستمرار بالمساعي الدبلوماسية لإنهاء الاحتلال بدعم من الشرعية الدولية ونيل الاعتراف الكاملة بحقوق الشغب الفلسطيني في تقرير المصير وحشد العالم ليكون الضاغط الكبير لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة , مع الاستمرار بالتوجه الفعلي والعملي باتجاه محاكمة الاحتلال و قادته على الجرائم التي ارتكبوها في هذه الحرب والحروب الأخرى.

ونحن نقول بكل وضوح الملحمة الفلسطينية في غزة، واحدة من حروب التاريخ النادرة التي غيّرت قواعد الحرب، والتي سيعكف مفكرو التاريخ العسكري ومدوّنوه على استخلاص دروسها، هي واحدة من الملاحم النادرة التي تخطّها الشعوب ومقاوماتها، وكانت هذه المعركة معركة كافة فصائل المقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني .

نعم خرجت فلسطين شامخة، منتصرة، رغم تضحياتها الصعبة التي قدمتها، حيث قدمت ما يقارب 2200 شهيد، و11110 جريح ، ودمار حل بأغلب المرافق الحيوية، ولكن تلك التضحيات أجبرت الكيان الصهيوني على رفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة، وفق الشروط والبنود التي صاغها الوفد الفلسطيني الموحد ، فهذا النصر جاء من خلال التلاحم الشعبي الفلسطيني بأكمله ضد آلة القتل الصهيونية، فتلك الوحدة التي تجلت بانتصار المقاومة في غزة أرغمت وأذلت حيش الاحتلال الذي لا يقهر.

صحيح ان هذه الحرب اتت وسط بيئة عربية نموذجية من التفكك والضياع والحروب، وبيئة دولية نموذجية من الابتعاد من هموم فلسطين وشعبها، و لكن الشعب الفلسطيني بوحدته ومقاومته وتضحياته إثبت قدرة اذهلت العالم ،فالتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس وصموده العظيم جديرة بأن تجعل وقف النار "استراحة المحارب" وليس استراحة "المفاوض" وهذا ما فعلته المقاومة اللبنانية بعد انتصارها في حرب تموز 2006 حيث حافظت بعد اتفاق وقف النار على قدراتها النارية وعلى تطويرها وزيادتها لردع إسرائيل وتفتيت قدرتها على الردع.

لهذا نقول كان من المفترض في البعض أن يشكر إيران، بدعمها للمقاومة ، وان يشكر لبنان الرسمي والشعبي ومقاومته وسوريا ودول امريكا اللاتينية ومصر وشعوب العالم التي وقفت وساندت وفضحت وعرت العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، كان من المفترض ان يكون الشكر الخاص باسم فلسطين لقناة الميادين التي واكبت المعركة لحظة بلحظة لأنها كانت بحق طيلة أيام العدوان والحرب صوت فلسطين ونبض المقاومة الى جانب قنوات المنار والعالم وفلسطين اليوم والnbn والثبات والجديد وقناة فلسطين الفضائية وقناة معا الفضائية ، اضافة الى الوكالة الوطنية والاذاعات الوطنية والمواقع الاخبارية اللبنانية والفلسطينية ، بينما شكر"الجزيرة" المشكوك بامرها شكل صدمة لدى كل فلسطيني وعربي وحر في العالم وقف مع الشعب الفلسطيني .

امام كل ذلك ستمثّل عملية اعادة إعمار قطاع غزّة بضخامتها والسياق السياسيّ الذي يكتنفها تحديا كبيراً واختباراً حكومة الوفاق الوطني، نظراً لقدرتها على تلبية توقّعات الناس منه ، لهذا نأمل من الجميع أن لا تكون عملية اعادة الاعمار مجالاّ للتنافس بل من حق حكومة الوفاق ان تقوم بدورها ، وهي المخولة باستلام الأموال، ليس غيرها ، وعدم ادخال هذا الموضوع في حالة الاستقطاب والتجاذبات الخارجية لان كل ذلك يضر يمصلحة عشرات آلاف المتضرّرين من الحرب الذين خسروا بيوتهم وأبناءهم، ولن يتمكّنوا من الانتظار طويلاً، ونحن نعلم ان النظام السياسيّ الفلسطيني امام منعطف تاريخي بذلك .

ختاما : لا بد من القول ان دماء آلاف الشهداء والجرحى التي توحدت تتطلب من الجميع الاتفاق على برنامج موحد يلبي الحد الأدنى ـ بعيدا عن سياسة الاستفراد بالقرار السياسي الذى عانى منه الجميع منذ عقود من الزمن ولم تعد مجدية اليوم أمام وحدة مقاومة متماسكة تصنع المعجزات سوى ترسيخ وتعميق مفهوم الوحدة الوطنية التي تحققت ، والعمل على تطويرها واستثمار كل الطاقات، واستثمار كل المقدرات في مقاومة ناجحة ومنظمة في مواجهة الاحتلال، وبالتالي إرغامه على إنهاء اغتصابه للأرض الفلسطينية.