صمتت اصوات المدافع وتوقف سقوط القذائف والصواريخ من طائرات الاحتلال ودباباته فوق رؤوس الابرياء لكن لم يغب عن سماء القطاع وبحره تحليق طائرات الاحتلال وزوارقه كما لم تفتح حتى الان كما جرى الترويج المعابر او مجرد تحسين العمل بها على اقل تقدير ، هذا رغم ان مساحة الصيد عادت لما كانت عليه لستة اميال بعد اتفاق تهدئة 2012، إلا أن الحصار بكل مظاهره ما زال قائماً ، هذا يدلل أن ما تم تحقيقه خلال الخمسين يوما من الصمود هو عدم كسر إرادة الشعب الفلسطيني والتأكيد على انه ما بقي الاحتلال فإن دائرة الصراع ستبقى قائمة وقابلة لتجديد في كل مرحلة، إن هذا الصمود يتطلب صراحة مع كل الذين صمدوا وهم الشعب وأن نقول لهم بأنه لا يوجد حتى الان ما يؤشر لتحقيق انتصار في معركة التفاوض حول التهدئة . ومع ذلك فإن من حق شعبنا أن يبتهج بوقف نزيف دم اطفاله ونساءه وشيوخه، لكنني لا أرى أن هناد ضرورة لكل هذه المظاهر الاحتفالية المبالغ بها الى حد الجنون الا إذا اعتبرنا أن المحتفلين يحتفلون لان صواريخ الاحتلال لم تصل لهم وقد ظفروا بالبقاء على قيد الحياة وهذا حقهم دون شك ، لذلك قلت في أكثر من مقام وأكرر معترضا على تسمية أن ما حدث انتصارا بل أنه صمود بطولي ومقاومة باسلة ابدعت في مواجهة العدوان الوحشي وهو تضحية جسيمة تميز بها شعبنا كعادته بلغت ما يزيد عن 2200 شهيد واكثر من 12000 جريحة وتدمير ما يقارب 20000 الف منزل وتشريد ساكنيها بهذا المعني إنها تضحية من شعب يجب أن تنحتي له الهامات وله وحدة يجب ان يوجه الشكر والثناء أما الانتصار فهو في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم، ورغم مضي اربعة ايام على الوقف المؤقت لأطلاق النار ما زالت الساحة تعيش على صخب الخطب وعلو وتيرتها في وقت لم تنقشع فيه غبار الحرب بعد بل وأكثر من ذلك فإن احتمالات استئنافها ما زالت واردة في كل حين إذا ما اخذنا بعين الاعتبار مجموعة من المؤشرات التي تؤكد ان ما حدث من اتفاق توفت بموجبه حمم النار لا يغدو كونه اتفاق لإطار ستفتح في ضوئه بوابة التفاوض بعد شهر حول مجموعة من المطالب العادلة لشعبنا ووهنا لابد من الاشارة أنه لا يوجد ما يشير بأن دولة الاحتلال بصدد الموافقة على أي مطلب من المطالب التي تمسك بها الوفد الفلسطيني الموحد خاصة مع القبول الملتبس لصيغة وقف اطلاق النار الحالية وطريقة الوصول له مع التأكيد على أهمية وقف العدوان الوحشي على شعبنا، لكن لابد من القول أن الصيغة الحالية مثلت هبوطا لما تمسك به الوفد طيلة 22 يوما من التفاوض في وقت كان شعبنا يقدم دمه دعما لموقف الوفد ، إن القبول بهذه الصيغة حدد سلفا نتيجة المفاوضات التي ستبدأ بعد شهر أو خلاله ، لذلك أصبح من الضرورة التئام الوفد الموحد في اسرع وقت لإجراء تقييم أداءه التفاوضي خلال محادثات التهدئة وما تم التوصل في الاتفاق الأخير والعمل من اجل الوصول إلى استراتيجية وطنية موحدة في إدارة التفاوض القادم لتجنب الوقوع في الفخ الذي تنصبه إسرائيل ومحاولتها المحمومة لكسب الوقت حتى تتمكن إضاعة كل القضايا وتخضعها لمفهوم الامن الاسرائيلي وترتيبات الاحتلال مما يجعل من تنظيم الحصار وليس تنظيمه هو النتيجة المتوقعة لذلك كما ستستغل طيلة فترة المفاوضات للتهدئة لترميم صورتها امام العالم بعد ان اتسعت دائرة مناهضتها في العالم اجمع على خلفية مجازرها بحق شعبنا ، ومن هنا فإن الجهد الان يجب ان ينصب على ترميم الجبهة الداخلية الفلسطينية والعمل على تحصين المجتمع الفلسطيني والاعتناء بمئات الالاف من النازحين الذين دمرت منازلهم وباتوا في العراء وتقديم المساعدات لهم بعدالة وشفافية دون فئوية او احتكار بمشاركة الجميع الامر الذي يتطلب تشكيل لجنة وطنية عليا تشرف على ذلك بما فيه ملف الاعمار المنتظر، وضرورة الابتعاد عن كل مظاهر الاحتقان التي بدأت ملامحها تطل برأسها من جديد عبر سلسلة من السلوكيات والممارسات الخاطئة التي تؤشر لسياسة عامة تعيد انتاج عجلة التوتير الداخلي بما يفكك الجبهة الداخلية وينذر بالعودة الى مربعات التنافر والصراع الداخلي الذي يتنظر شعبنا دفنه تحت ركام الدمار الذي خلفته صواريخ الاحتلال ودباباته، ولابد من القول في الختام أن البسالة والبطولة في الميدان اذا لم تتوج بنصر سياسي على طاولة المفاوضات وإن لم تخرج بوحدة مجتمعية أكثر تماسكا فإن الاحتلال يكون قد حقق مبتغاه.