إبداع غزة

بقلم: أسامه الفرا

ابدعت غزة في كل التفاصيل الكبيرة والصغيرة حين صمدت وتوحدت في مواجهة عدو مسه الشيطان قذفها بما يزيد عن ست قنابل ذرية، غزة "الصغيرة في مساحتها العظيمة في صمودها" تألمت كثيراً لكنها لم ترفع المنديل الأبيض ولم تجثم على ركبتيها، بقيت تقاوم رغم الألم والمعاناة، لتجبر العدو على جر ذيول خيبته وفشله، ولتضع جيشه في مكانة لم يعهدها من قبل، غزة التي أبهرت العالم بصمودها سطرت ذلك بلوحة من التلاحم والتكافل فريدة من نوعها شارك فيها الجميع.

حجم الأضرار التي لحقت بقطاع غزة من جراء الحرب المسعورة التي شنتها حكومة الاحتلال عليه كبيرة، ما خلفته الحرب هو أقرب للكارثة الإنسانية منه إلى أي تعريف آخر، غزة اليوم بحاجة إلى جهد فوق العادة كي تداوي جراحها، جراحها البشرية والمادية والنفسية، لا شك أن الجهد الذي بذل من فئات المجتمع المختلفة خلال الحرب هو جهد خارق، وبإستطاعة الشعب أن يواصل عمله بذات الروح الإيجابية في عملية الاصلاح والتعمير ومداواة الجراح.

لا شك أن ما فعلته الطواقم الطبية رغم تواضع الإمكانات يفوق بكثير ما يمكن لدول تمتلك كل المقدرات المادية والبشرية أن تفعله، أكثر من عشرة آلاف جريح هم بحاجة اليوم لأن نشعرهم أن مداواة جراحهم هي مهمتنا جميعاً، فالجريح بحاجة لأن يطمئن أولاً إلى أنه محل إهتمام ومتابعة، ولعل ذلك يقودنا إلى فكرة إحياء العمل الطوعي تحت مظلة العمل الرسمي، أعتقد أن بمقدورنا فعل ذلك، أن نكرس مفهوم أن نذهب إلى الجريح لا أن ننتظره في مؤسساتنا الصحية الرسمية.

ماذا لو استنفرت القوى الوطنية والاسلامية كوادرها وأفرادها العاملين في المجال الطبي، وتم تشكيل لجان طبية على مستوى المحافظات تنبثق عنها لجان فرعية مساعدة، تكون مهمتها زيارة الجرحى لمساعدتهم في استكمال علاجهم، حيث منهم من يمكن له استكمال ذلك بمنزله، ومنهم من هو بحاجة لمراجعة المراكز الطبية ، ومنهم من هو بحاجة لمتابعة علاجه خارج الوطن، يكون عمل هذه اللجان تحت اشراف وتوجيه ومتابعة من قبل وزارة الصحة.

لعل في ذلك ما يشعر الجريح بالإهتمام به حتى وإن كان خارج المؤسسات الصحية الرسمية، وأن هنالك من يقف على مقربة منه في متابعة حالته الصحية، وهو بالتأكيد له انعكاساته النفسية الايجابية على الجريح قبل أي شيء آخر، وفي الوقت ذاته يشكل هذا العمل تواصلاً للجهد الكبير الذي بذلته الطواقم الطبية خلال أيام الحرب الطويلة.

نحن بحاجة اليوم لأن نحافظ على تلك اللوحة الجميلة التي سجلها شعبنا خلال فترة الحرب، اللوحة التي حملت المعاني السامية من التلاحم والتكاتف والتعاضد بين فئات المجتمع المختلفة، والتي تكمن في مدخلاتها قواعد القوة التي كنا بحاجة إليها إبان الحرب، وبحاجة إليها أكثر في مداواة الجراح بعد أن وضعت الحرب أوزارها.