الجريمة السياسة بعد انتصار غزة

بقلم: احسان الجمل

غزة انتصرت، غزة قاومت، غزة اضحت امثولة، وايقونة لارادة الشعوب في الصمود والتصدي. غزة اضحت مدرسة، يتعلم العالم منها وحدة المصير، ووحدة الموقف والقرار والدم.

كنا نعتقد، ونتمنى ان يكون اعتقادنا، ما زال راسخا، وممكنا، ان ما جرى في غزة سيعبد الطريق الى مسارات سياسية جديدة، وسلوك سياسي جديد، يرتقوا الى مستوى التضحيات، والجراح التي تحتاج الى تعزيز الوحدة لبلسمتها.

لم يكن ذلك مجرد اعقاد، بل هو الان مطلبا شعبيا وطنيا بامتياز، نريد وحدة تنقذ شعبنا من كل العبث السياسي ومراهقتها الصبيانية الاستعراضية، نريد وحدة تنطلق من رؤية واستراتيجية وطنية، مستفيدة من كل ما جرى بعد اعادة تقييم شامل للدروس المستفادة من عدوان دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا له.

لا نريدة وحدة تفرضها الضروريات المؤقتة، والحاجة، والتقاسم المصلحي لكل فصيل، ينتج توليفة تنتهي مع انتهاء الظرف. ونعود للمربع الاول من حيث الانقسام والاتهام المتبادل، وكل ذلك على حساب شعب، ما زالت جراحه مفتوجة ولم تلتئم، هذا الشعب الذي صنع الاسطورة، وضرب الامثولة لتتعظوا. ولكن؟؟؟؟؟؟.

كان لانتصار غزة واهلها الف اب، وكل فريق اهداه الى مرجعيته الاقليمية، وكل اطلق عليه اسما خاصا وكأنه وليده الخاص. ولم يكن لغزة ام، تسمع لانينها، وتمسح دموعها، وتعيد لها بعضا مما فقدته، لتستمر بالحياة بخطوات اقوى في مواجهة المستقبل المجهول، الذي لم تستطع القيادة حتى الان استشراف خطوطه وسقفه. وما زالوا يرسمون طرقا متعددة، لا يعرفون اي منها هو المسلك الصحيح.

كنا وكنا وكنا، نتخيل انهم سيسرعون الى بعضهم، متعانقين، متناسين الماضي، متطلعين الى الممستقبل، مستندين الى نصر غزة وكل فلسطين التي قاوم كل جناح لها حسب ظروفه وامكانياته. واعتقدنا ان العض والصبر على الجرح النازف تحت سقف العدوان من اقامات جبرية، واعتقال واطلاق نار، لا يعدو عن سحابة صيف، او سلوك فردي، لا يؤثر على صحيح العلاقة.

كنا نعمل على ايجاد تبرير لكل شائبة في ظل العدوان، سواء كنا مقتنعين او غير ذلك، لاننا كنا ننظر الى العدو الرئيسي، والى صد العدوان، ووقف الجريمة بقتل اطفالنا ونسائنا وهدم منازلنا واقتلاع اشجارنا. كنا وكنا وكنا ننظر بعين التفاؤل ونعززها، املا في المساهمة بعدم نكء الجراح وبلمستها.

لكننا، صدمنا، خذلنا، وارتكبت بنا كشعب فلسطيني، جريمة سياسية، واخلاقية ووطنية، عملنا على اخفاء كل عيوبكم، لكنكم اصريتما على فضح بعضكما، او في الحد الادنى بالتشهير ببعضكما. من خلال اتهامات متبادلة، لم نكن نريد سماعها، ولا ترويجها حفاظا على وحدة الصف، ولكن ما انتم فاعلون؟؟؟ وماذا تريدون؟؟؟. صارحونا ولا ترتكبوا بنا جريمة سياسية تشبه الجريمة العسكرية التي ارتكبها الاحتلال من حيث النتائج مع اختلاف الاداة.

لم تعد تروق لنا خطاباتكم العنترية، سقطت كل الشعارات والمقولات الثورجية، ولا رؤياكم الهولامية، هناك هدف واحد لنا، هو انتهاء الاحتلال وانجاز الاستقلال، وهذا يحتاج الى وحدة وطنية صادقة، مبنية على ارادة سياسية وطنية.

نريد ياسر عرفات، يملك يدين صادقتين، احدهما تحمل بالندقية الثورية لاجل فلسطين فقط، واليد الاخرى تحمل برنامج سلام الشجعان، وليس اي سلام، نريد ياسر عرفات يحمي القرار الوطني المستقل في وجه العواصف العاتية، ولا يجيره لاحد، ولا يحول قضية شعبنا الى قضية للايجار.

نحذركم ولا نرجوكم، اياكم ان تستمروا في جريمتكم السياسية والاخلاقية، وغزة المنتشية  يصمودها وانتصارها، لم تلئموا جراحها بعد، ولم نتمكن حتى الان من دفن كل شهدائها. وإلا سنهديكم ما كتب من توقف قلبه الذي لم يحتمل العدوان شاعرنا الكبير سميح القاسم في قصيدته ضد الاحتلال، تقدموا تقدموا.

لا تحتلوا قلوبنا بشعارات فضاضة، فقلوبنا لك تعد تحتمل، بل احتلوا عقولنا بسياسة تنتج استقلالا، فعقولنا قادرة على معرفة كل ما هو صادق.

 

احسان الجمل

 

مدير المكتب الصحفي الفلسطيني