غزة مدينة عريقة بتاريخها ,استراتيجية بموقعها الجغرافي ,ذا مكانة عالية في موطن الفعل النضالي بقضيتنا الوطنية ,عنيدة بطبع أهلها ولا تقبل الظلم والقهر والاضطهاد وعصية على الخضوع والخنوع والاذلال ,لها من يعشقها من محبيها ومن يكرهها من اعدائها ,فهي لعنة في (الكتاب المقدس )لبني صهيون وكل القادة الصهاينة كانوا يتمنون لها الزوال لأنها الشوكة التي كانت تقلق مضاجعهم من خلال الفعل النضالي الذي كان أبناء غزة يمارسوه .
كل هذا اعطى لغزة مكانة خاصة في فكر وعمل وبرنامج القيادة الفلسطينية بشكل عام لكونها كان لها الصدارة في الفعل في التاريخ النضالي الوطني في الانتفاضتين ,من هنا كانت فكرة –غزة أريحا –أولا فكرة مزدوجة التقى الهدف الوطني مع الرغبة الصهيونية فالقيادة الفلسطينية وضعتها في مقدمة المطالب لتجسيد حالة الربط بين شطري الوطن ,والصهاينة كان القبول بهدف التخلص من هذا الكابوس الغزي ,وخاصة بعد فشل كل المحاولات لتطويع غزة وإخضاعها للأجندة الصهيونية ,من هنا كانت الرغبة الصهيونية بالخروج من غزة من طرف واحد ودون الوصل الى حل سياسي مع القيادة الفلسطينية بهدف ايجاد صراع داخلي فلسطيني يجعل شعبنا ينشغل بقضايا داخلية والانشغال عن الهدف النضالي الاهم لشعبنا وهو الصراع مع العدو الصهيوني ,وهنا كانت الفكرة التي كان يجب أن تكون ايجابية لشعبنا من خلال مشاركة الكل الفلسطيني في الحالة النضالية التي يعيشها شعبنا ,فكانت الانتخابات وما تلاها من رفض دولي لنتائجها ,وهنا وبكل تأكيد رفض النتائج كان الهدف من هو خلق صراع داخلي فلسطيني بهدف شغل شعبنا بقضايا جانبية واظهار الخلافات الداخلية على أنها هي العائق امام ايجاد حلول سياسية نهائية ,مع العلم ان البرنامج السياسي الذي وضع من خلال اتفاقات أوسلو كان يقتضي أن يكون عام 2000م عام انهاء الاحتلال والوصول الى حل شامل أي قبل ان نخوض التجربة الديمقراطية ,أي أن فكرة أن حالة الانقسام التي نشأة بعد 2006م هي المعيق لإيجاد حل شامل فكرة واهية وهذا بكل تأكيد لا يعني أن الانقسام ليس معيق في الظهور بمظهر قوى أمام المجتمع الدولي للمطالبة بإيجاد حل شامل لقضيتنا الوطنية ’وجميعنا يعلم انه ومنذ الانقسام الي اليوم وغزة في حالة تراجع في صعد عدة وكل تلك الصعد كان لها الاثر البارز في حالة البؤس والفقر والبطالة التي يعيشها الغزيين ,فبعد ان انشطر النظام السياسي الفلسطيني الى قسمين ,قسم موجود في المحافظات الشمالية وأخر في المحافظات الجنوبية وكلن يدعي بأنه توجد له أجندة وطنية وهدفه هو خدمة القضية الوطنية والمواطن الغزي في حالة تراجع وضعف ,وما زاد الطين بلة هي تلك الحروب الثلاث التي شنها العدو الصهيوني خلال تلك السنوات على غزة والتي كانت نتائجها على الدوام التقتيل والتدمير والخراب وزيادة حالة البؤس بهدف أيصال شعبنا الى حالة تناقض مع القوى المقاومة في غزة بكل اذرعها ,وهذا بكل تأكيد يعطي نتائج عكسية لان هذه هي ارادة صهيونية وطبيعة الشعوب ترغب في العيش في حالة تناقض مع اعدائها وخاصة وأن هذا العدو لم يعطي الطرف الفلسطيني المعتدل المؤمن بالمفاوضات والكفاح السلمي لحل الصراع أي بصيص أمل ,لا بل يعمل العدو الصهيوني ليلا نهارا على اضعاف القيادة الوطنية من خلال الهجوم غير المبرر والتنكيل والاستيطان ومصادرة الارض والقتل بدم بارد لأبناء شعبنا في المحافظات الشمالية وكان أشهرها حادثة حرق الطفل أبو خضير .
لحس طالع شعبنا أن اتفاق المصالحة الاخير جاء قبل الحرب التدميرية بأيام معدودة ليتمكن شعبنا من التضامن والتكافل والتكامل مع بعضه البعض في شطري الوطن ,بالطبع شعبنا يعي بأن تشكيل حكومة وطنية متفق عليها من الكل الوطني حكومة تخدم الجميع وتحمل هموم الوطن ككل من باب انها حكومة الشعب الفلسطيني ,وتعمل على لملمة كل الاثار السلبية التي نتجت عن سنوات الانقسام بهدوء وروية دون مناكفات ترجعنا الى حالة الشحن الداخلي التي يحلم شعبنا الى التخلص منها بعد حالة الوحدة والصمود والتحدي والصبر التي عاشها شعبنا طوال أيام الحرب المريرة التي فرضها العدو على شعبنا .
بطبع حالة الشك والريبة وعدم الثقة والخوف من الاخر حالة قاتلة للنظام السياسي الفلسطيني ,ولكن في النهاية في قضايا معضلة كهذه يجب العودة لشعب للفصل بها من خلال انتخابات ديمقراطية ليقول الشعب رايه فيما يحصل وخاصة وأن كل ما يسمى بالشرعيات التي تحكم اليوم المجتمع الفلسطيني باتت وجوب التجديد لا التمديد.
وهنا يجب التذكير بأن هدف تشكيل حكومة الوفاق يكمن في
- انهاء مظاهر الانقسام وتوحيد النظام الاداري الفلسطيني
- الاعداد للانتخابات الفلسطينية بهدف تجديد الشرعيات
جميعنا يعلم ايضا ان السلطة قائمة على مجموع المساعدات التي تتلاقاها باسم الشعب الفلسطيني فلا يجوز لاحد ان يستخدم تلك المساعدات لخدمة اجندة حزبية دون النظر الى الكل الوطني والظهور بمظهر من يحسن ويمن على الشعب الفلسطيني ,وهذا الفهم أدى الى بروز مشكلة رواتب موظفي حكومة غزة السابقة ورواتبهم وكأنها صخرة ممكن ان تتحطم امامها عربة المصالحة وتوحيد شطري الوطن على الرغم من وجود أتفاق على تشكيل لجان لحل مثل تلك المشاكل ولكن في النهاية هؤلاء موظفين لهم من ينتظرهم في نهاية كل شهر من اطفال لهم الحق في الحياة الامنة ولا يجوز التلاعب بأرزاقهم وقوتهم وحاجياتهم تحت أي مبرر, في الوقت نفسه يجب على حركة حماس وبعد تشكيل حكومة الوفاق التي كانت بناء على أتفاق ان تسلم أدارة غزة بشكل كامل لتلك الحكومة دون أي عراقيل تذكر فلا يجوز منع الموظفين السابقين من العودة الى مواقع عملهم والتمترس خلف فهم اللون الواحد فخلط الالوان يعطي جمال أكثر للوطن لا ان تكون حكومة المطلوب منها ان تكون صراف آلي دون سيطرة على أرض الواقع وخاصة وأن هناك أتفاق اسمه أتفاق القاهرة يجب العودة أليه في حال وجود أي خلاف .
وأخيرا أقول بأن سلاح المقاومة الذي أصبح مطلب جماهيري الحفاظ عليه وتطويره وصونه ,الذي تمكن من قهر العدو الصهيوني وكسر نظرية أن الجيش الصهيوني غير قابل للمواجهة نظرية سقطت على ابواب غزة وأن حالة الدمار لم تكسر اصرار شعبنا الذي سعد بحالة الوحدة الميدانية والسياسية من قبل الكل الوطني ولكن يجب ان تتعهد كل القوى السياسية الفلسطينية بأن يبقى هذا السلاح المقاوم خاص بالمحتل ولا يستخدم الا في الصراع مع العدو ولا يستخدم في حسم خلافات داخلية وان يتم اتفاق على ان يكون هذا السلاح في اطار حالة توحيد كل مقدرات شعبنا التي بمجموعها تخدم الكل الفلسطيني المقاوم والمفاوض .
وجماهير غزة بكل أطيافها السياسية تدعو اليوم كل القوى الفلسطينية الى التحلي بالعقلانية والحكمة والتعالي عن كل الصغائر والاجندات الحزبية من أجل لملمت جراحها وتطيب نفوس أهلها لان الشعارات والمناكفات والبهرجات والتمترس خلف العناد الزائف ,وفكرة الوكيل الحصري والسيد الاوحد لن يوحد النظام السياسي .
وأخيرا على الجميع أن لا يراهن على صبر شعبنا وجاده كثيرا فأنه ان أشتعل سيكون كالنار في الهشيم ولن يدع أحد دون أن يكوى من هذه النار.