السفارات الفلسطينية ... البرازيل نموذجا

بقلم: جادالله صفا

على مدار السنوات التي اعقبت تعيين السفير الفلسطيني الحالي بالبرازيل ابراهيم الزبن، شهدت الساحة البرازيلية جملة من الاحداث والتطورات التي اتت على اثر الاحداث التي شهدتها قضيتنا الفلسطينية على الصعيد المحلي او الدولي، والتي تمحورت بمجملها الى اقامة نشاطات وفعاليات تضامنية وزيارات الى فلسطين المحتلة، بالاضافة الى مؤتمرات عنوانها فلسطين، فعاليات كانت بمبادرات قوى محلية برازيلية او فلسطينية.
دون الخوض بكل التفاضيل، أود ان اسلط الضوء على دور السفير وكيف تعاطى مع الاحداث على الساحة البرازيلية، فمنذ تعيينه كانت الجالية الفلسطنية ومؤسساتها تعاني من ازمتها التي تراكمت على مدار السنوات الماضية، والتي جاءت نتيجة سياسة التفرد والهيمنة والتحكم ببعض المواقف التي بجوهرها ساهمت بتوسيع الشرخ باوساط الجالية الفلسطينية ومؤسساتها، فالسفير لم يسعى لأن تتجاوز جاليتنا ومؤسساتها حالة الانقسام والخلافات داخلها، وتعامل بازدواجية المواقف مع الجالية الفلسطينية وقواها، المهام الدبلوماسية والمهام الحزبية للهروب من مسؤولياته.
على مدار السنوات الماضية حصلت احداث مهمة لتعزيز حملة التضامن البرازيلية والاممية مع الشعب الفلسطيني، فكان اللقاء الاول للتضامن مع الشعب الفلسطيني نهاية شهر نوفمبر من عام 2011 الذي تم الدعوة له بمبادرة من حركة بدون ارض البرازيلية، يهدف الى تعزيز حملة التضامن البرازيلية مع الشعب الفلسطيني ونضاله، فرغم الخلافات الفلسطينية الفلسطينية التي كانت ساطعة اثناء التحضير، الا ان اداء السفير كان سلبيا حينما طالب القوى البرازيلية بعدم التعاطي مع اي طرف فلسطيني وان يكون التعامل فقط مع الاتحاد العام للمؤسسات الفلسطيني وهذا ادى الى اشمئزاز وتشاؤوم الاطراف البرازيلية التي رفضت التدخل بالشأن الداخلي الفلسطيني وخلافاته، كما بتلك الفترة تحمل السفير الفلسطيني مسؤولية إيصال الدعوات الى الاطراف الفلسطينية داخل فلسطين وذلك بناء على طلبه، وعندما سألت فدوى البرغوثي عن عدم تلبيتها الدعوة للمشاركة اجابت انها لم تستلم دعوة بالخصوص.
اما الحدث الاخر والاهم، وهو المنتدى الاجتماعي العالمي فلسطين حرة، والذي كان من المفترض ان يشكل حدث عالمي نوعي من اجل نصرة القضية الفلسطينية، الا ان دور السفير كان سلبيا الى ابعد الحدود، وكان واضحا للملأ رغم كل الضغوط التي مارستها الحركة الصهيونية من اجل افشال المنتدى، فقد كان السفير الفلسطيني رافعا يديه باتجاه وحاملا العصا بالاتجاه الاخر، فحركة التضامن العالمية يجب ان تكون خارج اطار الضغط او الاحتواء من قبل الحكومات، وبالاخص خارج اطار احتوائها من قبل السلطة الفلسطينية المقيدة باتفاقيات اوسلو وباقي الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، والسؤال: هل دور السفير الفلسطيني بهذا الحدث كان متساوقا مع الاتفاقيات الامنية الموقعة مع الكيان الصهيوني التي تمنع التحريض وكل ما يمس امن الكيان الصهيوني؟ اعتقد ان هذا الدور مارسه، عندما اعتبرت الحركة الصهيونية بالبرازيل ان المنتدى الاجتماعي المراد عقده، تحريضا على الكيان الصهيوني، وانه سيضمن المشاركين عناصر لها علاقة "بالارهاب" وتدعو الى تدمير الكيان الصهيوني، فكان تعطيل سفر المناضلة ليلى خالد واستبدالها بموظفين بالسلطة الفلسطينية يؤكد على دور السفير لافشال المنتدى او تحويله الى منتدى سلطة حكم ذاتي، فمواقفه السلبية اثناء المنتدى ساهمت لاحقا وما زالت بعزله ومن يدور بفلك السفير على صعيد النشاطات والاحتفالات والفعاليات التضامنية مع القضية الفلسطينية ونضال شعبنا، فهل سيعقد منتدى اخرا خاصا بفلسطين؟ هذا ما لا يرغبه سفرائنا الفلسطينين اطلاقا.
علامات استفهام حول العلاقة مع (جالية يهودية، الكونفدرالية الاسرائيلية او الحركة الصهيونية) هذه المصطلحات الثلاثة المذكورة يرددها البعض بالبرازيل، ولكن دراسات للدكتور Carlos Eduardo Bartel حول الحركة الصهيونية وتشكيل الجاليات اليهودية وغيرها بالبرازيل، جاءت لتؤكد وتثبت ان الحركة الصهيونية تعمل تحت اسم المؤسسات اليهودية والاسرائيلية، وهنا اجزم ان اي علاقة مع اي مؤسسة مهما كان اسمها هي علاقة مع الحركة الصهيونية، حيث تؤكد الدراسات أن منع الحركة الصهيونية من ممارسة نشاطاتها السياسية عام 1938 بقرار من الحكومة البرازيلية، عادت لتمارسها من خلال المؤسسات اليهودية بمنتصف الاربعينات، وبعد تاسيس الكيان الصهيوني تحت اسم الفيدراليات والكونفدرالية الاسرائيلية، وأن قادة المؤسسات هم جزءا من قادة الحركة الصهيونية بالبرازيل.
لذلك هنا توضع علامات الاستفهام حول موقف السفير الفلسطيني من العلاقات التي تقام بين مسؤولين واعضاء الهيئة الادارية لاتحاد المؤسسات الفلسطينية بالبرازيل والفيدرالية "الاسرائيلية" بولاية الجنوب – الريو غراندي دوسول – فالمؤشرات والتحركات التي يقوم بها السفير تدعم باتجاه اقامة علاقات مع ما سبق ذكره، وانه يعمل على تطوير هذه العلاقات ويشجعها ويعمل جاهدا على جر اطرافا فلسطينية الى هذا المستنقع، وجاءت تحركات السفير اللاحقه لتؤكد بانه يسعى الايقاع بالاطراف الاخرى او كحد ادنى الى موافقة او مباركة هذا التوجه المرفوض اساسا منذ سنوات، تحت مبرارات ومسميات مرفوضة اساسا من جوهرها، فالنشاطات التي اقامتها حكومة ولاية الريو غراندي دو سول من عرض افلام ودعوة مخرجين اسرائيليين وفلسطينين، وحملة المساعدات الانسانية لشعبنا بقطاع غزة واستشارة الفيدرالية الاسرائيلية بالجنوب وموافقة السفير على مشاركتها، كما الطلب الاخير لحاكم الولاية من السفير لاقامة نشاط ثقافي يجمع الفلسطينين والاسرائيلين اثناء لقاءه 16/08، حيث السفير لم يبدي اي معارضة وانما طالب بالتريث، كل هذه المحاولات تثبت توغل السفير بهذا المستنقع المرفوض والضار بقضيتنا وحقوقنا، وهذا ليس اتهاما كما يحاول ان يفسرها.
بحكم واقع الساحة الفلسطينية والخلافات الداخلية، قد يكون من الصعب انجاز المعجزات، وبحكم اسلوب الهيمنة والتحكم بالقرار الفلسطيني من قبل هذه القيادة الفلسطينية، وغياب الموقف الفلسطيني الموحد بكافة القرارات المصيرية التي تخص القضية الفلسطينية، واستمرار انفراد حركة فتح بكافة المؤسسات الفلسطينية ومنها السلك الدبلوماسي قد اضر بالقضية الفلسطينية، ورفع من وتيرة الفساد والانقسام والانشقاق والخلافات بالساحة الفلسطينية وتجمعات شعبنا الفلسطيني، ولهذا من اجل تجاوز هذه الحالة مطالبة حركة فتح وسلطة اوسلو بمراجعة كافة المواقف والسياسات الضارة التي ادت الى الحالة التي تمر بها قضيتنا اليوم، والسماح لكافة القوى بالمشاركة الفعلية والمسؤولة ضمن كافة المؤسسات التمثيلية لشعبنا ومنهاالسلك الدبلوماسي على قاعدة الثوابت الوطنية والبرنامج السياسي الذي يشكل الاجماع الوطني لكل القوى ويضمن وحدة شعبنا وقواه السياسية ومؤسساته الوطنية.
جادالله صفا – البرازيل
05/09/2014