نازحو قطاع غزة و الذئاب كجرف صامد جديد!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

ما أن وضع عدوان الجرف الصامد أوزاره بقطاع غزة بعد 51 يوم من القتل لكل شئ يتحرك , وما أنا انقشع الغبار وخروج المواطنين لتفقد أماكن الدمار والخراب الكبيرين لاح في الأفق وظهرت موجة من الاستغلال والاحتكار في معظم مناطق قطاع غزة بلا استثناء , وخصوصا بحق النازحين في مدارس وأماكن الإيواء المنتشرة في مناطق متعددة بقطاع غزة , بدأ الحديث عن ارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات للشقق والحوا صل السكنية وقد وصلت لأسعار مضاعفة في وضع لا يتناسب مع الإنسانية ومع تضحيات هؤلاء الذين فقدوا ممتلكاتهم وبيوتهم خلال العدوان وكأن هؤلاء المحتكرين يستمرون في إطالة أمد المشكلة وخلق اختناقات جديدة برفعهم للأسعار في ظاهرة باتت تهدد النسيج المجتمعي وتعزز قيم اجتماعية خطيرة , وفي هذا الصدد فإن هناك مسؤولية تقع على عائق الحكومة في مراقبة الأسعار ووضع سقف لهذه الاسعار بما يتناسب مع امكانيات المواطنين وتضع في المقام الأول توفير مساكن لهؤلاء النازحين وبأسرع وقت قبل حلول فصل الشتاء والتي ستزيد من حجم معاناتهم , ومهما كانت المبررات لأصحاب الأملاك المؤجرة فهي غير مقبولة إطلاقاً ومنها أن منظمات الإغاثة والمؤسسات الدولية هي التي تدفع , و أن المستأجرين يدفعوا أي سعر يتم طلبه لأنهم بحاجة لذلك , وكذلك قولهم ( اللي ما حكم في ماله ما ظلم )فهذا ليس صحيح في ظل الاستغلال , فلا حرية في رفع الاسعار واستغلال آهات وعذابات الآخرين , حجم المعاناة كبيرة و الحلول ما زالت محدودة ولا تلبي أدنى الحقوق مما يضع الجميع أمام مسئولياته وتحديداً الحاجة العاجلة لتوفير 5 ألاف بيت متنقل (كرفانة) لإيواء ما يمكن إيواءه حيث تشير التقارير الرسمية وجود 130 ألف نازح بلا مأوى وهذا العدد كبير مقارنة بعدد سكان قطاع غزة البالغين 1.85 مليون نسمة يتوزعون على منطقة هي الأكثر اكتظاظا بالسكان وذات مساحة تقترب من 365 كيلو متر مربع , وشهدت ثلاثة حملات عسكرية خلال ستة سنوات راح ضحيتها الآلاف ما بين شهيد وجريح , هذه الأرقام تنذر بكارثة اقتصادية واجتماعية في حال استمرارها لشهور دون حلول مستعجلة وهذه الحلول تواجه الآن مشكلات عديدة ناجمة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي وحال التجاذب السياسي الفلسطيني و جدلية قضية أعمار غزة وحول مدى توفر طواقم فنية وإدارية مناسبة للأعمار, وعدم التزام الدول المانحة والداعمة بدفع ما تتعهد به في مؤتمر إعادة الأعمار المترقب عقده في النرويج والقاهرة حيث تعاني دول الاتحاد الأوروبي من أزمة مالية كانت سبباً لاستمرار حالة الركود الاقتصادي والتوجه بإتباع سياسات نقدية توسعية لتحفيز النشاط الاقتصادي والذي من الممكن أن تتراجع مساهمتها في دعم مؤتمر المانحين وتحويل الملف للدول العربية التي تعاني أصلا من عجزاً مالياً في موازناتها العامة باستثناء دول الخليج والتي ستشرط عدة شروط للأعمار لاحقاً.

ضبابية المواقف السياسية وحالة التجاذب والتراشق الإعلامي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة سيزيد من أمد المشكلة وخصوصا تأخر السلطة الفلسطينية في استلام المعابر ومنها رفح و البدء بعمل حكومة التوافق الوطني التي تم الاتفاق حولها في اتفاق الشاطئ ابريل 2014, سينجم عن ذلك استمرار إغلاق المعابر والتأخر في مشروع إعادة الأعمار وهذه الحالة التي تعاني منها قطاع غزة منذ سبع سنوات من الانقسام كانت أكثر عجاف ورمادة من مراحل سابقة , حجم المعاناة الإنسانية في قطاع غزة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي لا تحتاج لاستمرار الانقسام ولتقاسم كعكة إعادة الأعمار على حساب المتضررين والذين ما زالوا بعيداً عن أعين الساسة , في ظاهرة ستجسد مزيداً من التدهور في الشارع الفلسطيني عبر تفاقم الاستغلال والاحتكار بدون وجود رقابة مناسبة من المسئولين وستزداد درجات التفاوت وعدم العدالة في توزيع الدخول لصالح حفنة من أصحاب الأملاك والتجار وغيرهم , وهذا يعزز مبدأ العدالة المُغيبة في قطاع غزة , المار بشوارع وأزقة القطاع يلاحظ حجم الاستغلال وخصوصا الشقق السكنية التي ارتفعت أضعاف عما كانت عليه قبل العدوان الإسرائيلي , إيجار حواصل صغيرة وبلا خدمات أصبحت بأسعار شقق فاخرة , وإيجار شقق لا تزيد عن 80 متر أحيانا بأسعار الفلل والقصور رغم وجود حالة من الركود الاقتصادي وتباطؤ في النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والفقر, ففي هذه الأوقات يتربع على العرش أمراء وأباطرة من الذئاب والذين تمتلئ بطونهم بالمال وتزداد أرصدتهم بالبنوك تزامناً مع فقدان النازحين لكل ما يمتلكون وكأن هناك جرف صامد جديد يلاحق هؤلاء النازحين والمتضررين ويأبى تركهم يمارسون حياتهم من جديد والسبب هو طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد القائم على الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق الحر والذي أثبت خلال عشرين عام ماضية عدم ملائمته للدول النامية ومنها الأراضي الفلسطينية فلم يحد من المشكلات الاقتصادية القائمة وأهما الفقر والبطالة والتباين في الشرائح الاجتماعية وسيادة أنماط من الاستغلال والاحتكار تعزز القيم الفردية على حساب المصلحة المجتمعية, وفلسطينياً فإن العجز المستمر في الوحدات السكنية دليل على ذلك , وهذا يستوجب انشاء شركات للقطاع العام لتوفير سكن مناسب وبأسعار التكلفة ومُدعمة, وتجارب عالمية عديدة وفي بدايات نموها اعتمدت على فلسفة القطاع العام ومنها دول المركز الرأسمالي كألمانيا مثلاً حتى سبعينات القرن العشرين واليوم وبعد الأزمات المالية هناك توجهاً عالمياً لزيادة تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية.

وفي الختام فإنه يتوجب على الحكومة الفلسطينية إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والمراقبة ومنع الاحتكار والاستغلال , والعمل وفوراً لاستيراد الآلاف من البيوت المتنقلة وخلال أيام , والبدء بإصلاح البنية التحتية وإزالة الركام للتخفيف من إمكانية حدوث كارثة بيئية, والبحث عن حلول مستعجلة للحقيقة الغائبة المتملثة بالعدالة المُغيبة والتي اختصرها الإمام على بن أبي طالب في مقولته المشهورة " ما اغتنى غنياً إلا على رقاب فقير !!"