تعاطى سكان قطاع غزة بجدية مع المقبل إليهم من البحر ليخلصهم من مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، التقط السكان موضوع الباخرة العائمة لتوليد الكهرباء وكأنها ترسو قبالة مياهنا الإقليمية، وأنها على وشك الاقتراب منا لتضع رواسيها قبالة شواطئنا، وبالتالي سيكون بمقدور سكان غزة حذف جدول الفصل وتقليل الأحمال من ذاكرتهم، خاصة أن الأطفال باتوا على علم به وكأنه من ملاحق جدول الضرب، كل شيء من مفردات الحياة اليومية في غزة مرتبط به، وبالتالي يسعى الجميع لخلق حالة من القبول بين أجندته اليومية وجدول الفصل.
الباخرة العائمة لتوليد الطاقة الكهربائية أحد الخيارات المطروحة لحل مشكلة الكهرباء في غزة، لكن هذا الخيار لم يدخل حيز التنفيذ بعد، وأعتقد أن المعوقات أمام تنفيذه كبيرة، فأولا نحن نتحدث عن باخرة عائمة تقوم بتصنيعها شركة تركية خاصة، وبالتالي ما هو مطروح حتى اللحظة فيما يتعلق بالباخرة العائمة لا يتعدى عرضا قدمته شركة تركية خاصة، تقوم العديد من الشركات الخاصة على مستوى العالم بالعمل ذاته، وبالتالي يحتاج المشروع لدراسة وافية من الناحية الفنية وجدواه المالية، وقبل أن نشرع في البحث عن التمويل اللازم للمشروع لا بد أن يكون لدينا موافقة إسرائيلية، حتى وإن اعطت حكومة الاحتلال موافقة مبدئية على المشروع، من المؤكد أنها ستمضي بنا في دهاليز اشتراطاتها وموافقاتها المتعددة، في الوقت الذي لم تعد غزة تحتمل هذا التدهور في خدمة الكهرباء، خاصة بعد أن توقفت محطة التوليد بغزة عن العمل جراء قصفها من قبل طائرات الاحتلال.
أعتقد بجانب الجدوى المالية وتأمين التمويل والموافقة الإسرائيلية لا بد أن نضع الوقت ايضاً ضمن المعايير ونحن نقيم الخيارات المختلفة لحل مشكلة الكهرباء في غزة، والخيارات تتمثل في زيادة الكمية المقبلة إلى القطاع من شركة الكهرباء الإسرائيلية، أو إنشاء محطة توليد بالاتفاق مع الشقيقة مصر داخل الأراضي المصرية على مقربة من قطاع غزة، أو من خلال الربط الثماني شريطة أن يكفل ذلك تزويد القطاع بحاجته من الكهرباء، هذا إلى جانب خيار الباخرة العائمة.
المهم أن مشكلة الكهرباء في غزة تراوح مكانها منذ سنوات طويلة، إلا أن المشكلة آخذة بالاتساع، وبحاجة لأن تكون ضمن أولويات عمل حكومة التوافق، وهذا يتطلب من الحكومة أن تحدد خيارها وتمضي فيه دون ابطاء، آخذين بعين الاعتبار أن الحلول "الترقيعية" التي اتبعناها على مدار السنوات السابقة لم تعد تجدي نفعاً، وأن المشكلة بحاجة اليوم قبل الغد لأن نطرق باب الحل الجذري لها، وبطبيعة الحال يجب ألا يؤخر ذلك ضرورة الاسراع في اصلاح محطة توليد غزة.
لعل الحديث عن الباخرة العائمة دون سواها من الخيارات الأخرى، رغم معرفتنا بحجم العراقيل التي تحول دون تنفيذها، وتجاهل خيارات أخرى قد تكون ايسر منها وقابلة للتنفيذ، يدفعنا للاعتقاد أن فكرة الباخرة العائمة ليست سوى قشة الغريق، وبالتالي من المفيد ألا نسبح بالخيال بعيدا عن الواقع، خاصة أن التصريحات مهما كبر حجمها لن تتمكن من إنارة مصباح كهربائي صغير.