المسيرة النضالية والكفاحية الطويلة والمستمرة ومنذ عقود طويلة وحتى وقتنا الحالي فيها الكثير مما نعتز ونفخر به عبر تاريخنا الوطني المعمد بدماء الشهداء والأسرى والجرحى .
ولا نغالي القول بما نختصره بتجربة الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي أحدثت نقلة نوعية في مسار القضية الفلسطينية من قضية لاجئين واغاثة انسانية ومخيمات للجوء الى شعب ثائر ومكافح وقضية سياسية لا زالت تتفاعل وتحقق الكثير من الانجازات حتى وصلت الى مرحلة الاعتراف بالدولة الفلسطينية( بصفة مراقب )على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ذات الحدود والسيادة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران (67 ).
ثورتنا الفلسطينية وحتى تدرك الأجيال عمق التجربة وأصالتها والمعمدة بدماء عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والأسرى قد خاضت معارك الكرامة والليطاني والعرقوب وقلعة شقيف ومخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وتل الزعتر والبداوي ونهر البارد وحتى حرب لبنان والاجتياح الاسرائيلي بالعام (82) والأهداف المعلنة لدولة الاحتلال والتي تم الاعلان عنها بهدف القضاء على قوات الثورة واسر قادتها وانهاء حقبة زمنية من تاريخنا النضالي التي اعتمدت خيار الكفاح المسلح كوسيلة نضالية وحيدة لتحرير فلسطين وتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة .
كانت نتائج الحرب بعكس ما ارادت اسرائيل رغم انتقال القيادة الفلسطينية الى تونس وقوات الثورة الى اليمن وسوريا والبقاع اللبناني .
خرجت قوات الثورة الفلسطينية تحمل سلاحها وترفع اشارة النصر لأن العدو الاسرائيلي لم يحقق ما اراد من هذه الحرب وعندما سئل القائد الشهيد ابو عمار الى اين انت ذاهب؟ قال الى فلسطين ... هكذا كانت رؤية القائد والقيادة بعد تجربة مريرة وحرب طويلة استمرت( 88 )يوم لا تختلف في ظروفها الاقليمية والدولية عما نحن عليه الان وما ارتكب من مجازر وجرائم وارهاب منظم وما احيك من مؤامرات .
خيار الكفاح المسلح الذي اعتمد منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية بالعام (65 )خيارا وحيدا ومشرعا في وجه الاحتلال الاسرائيلي برغم الهجمات المستمرة والاغتيالات المتواصلة التي استهدفت العديد من القادة وحجم المؤامرات التي أحيكت ضد الثورة وقيادتها سواء من سوريا المتواجدة بقواتها العسكرية على الأراضي اللبنانية في تلك الحقبة الزمنية أو القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل وحتى بعض القوى الفلسطينية ذات الارتباط بأنظمة عربية .
التجربة النضالية والكفاحية للثورة الفلسطينية تعرضت للكثير من المصاعب والتحديات والمؤامرات وكان الدفاع مستميتا ولا زال حول القرار الوطني المستقل الذي كلف عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والأسرى مما وفر منطلقا للقيادة الفلسطينية أن تعلن من الجزائر من خلال المجلس الوطني التاسع عشر اعلان قيام دولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران
( 67) وعاصمتها القدس الشرقية مما وفر الأجواء السياسية الاقليمية والدولية لبداية تسوية سياسية أفضت الى اتفاقية أوسلو بالعام( 93 )والتي كان من نتائجها الأولية قيام أول سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره من الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وأيا كانت الآراء والاجتهادات والمواقف فقد قيل في ذلك الوقت أن الاتفاقية اما أن تكون بداية على طريق الدولة واما تجسيد للاحتلال .
وها نحن اليوم لم نتمكن من تحقيق الدولة المستقلة ولم يتم تجسيد الاحتلال بصورة كاملة على اعتبار ان الاحتلال قائم وجاثم على صدورنا وأرضنا والاستيطان مستمر ومتواصل لكن الفرق كبير بين ان تناضل من الخارج او تناضل على ارضك وبين ابناء شعبك في ظل قيادة وسلطة وطنية واعتراف سياسي ودبلوماسي اقليمي ودولي وحتى اسرائيلي وهذا فرق هام واستراتيجي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهذا ما يستوجب طرح سؤالا هاما هل خيار المفاوضات السياسية يجب أن ينتهي ؟ وهل خيار المقاومة دون مفاوضات يجب ان يكون هو الخيار الوحيد ؟
من الصعب الاجابة الشافية والوافية لهذه التساؤلات ولكن من السهولة المتاحة للجميع ان يقول أن المفاوضات قد استمرت لسنوات طويلة دون تقدم في ظل مماطلة وتسويف ومراوغة من الجانب الاسرائيلي بل أكثر من ذلك وحتى دون ادنى التزام بما تم التوقيع عليه في اوسلو واتفاقية باريس الاقتصادية .
الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تريد مفاوضات طويلة المدى دون سقف زمني وبالتأكيد دون نتائج حسب المطالب الفلسطينية ولا تريد منا ايضا ان نقاوم المحتل لتحرير ارضنا او حتى الدفاع عن انفسنا ازاء أي عدوان رغم ان هذا حقنا المشروع بكافة المواثيق والاعراف الدولية التي تعطي الحق للشعوب للنضال ضد المحتل.
اسرائيل المحتلة بعدوانها وارهابها يعرف الجميع ماذا تريد كانتونات واحزمة استيطانية وعدم تواصل للأرض الفلسطينية واحزمة استيطانية وجدار عنصري وحصار دائم تريد كل كافة مميزات الاحتلال ولا تريد دفع استحقاقات المحتل للشعب المحتل ولكن السؤال الأهم الذي يطرح علينا ماذا نحن نريد؟ وهل اتفقنا وتوافقنا على ما نريد؟ وهل اعتمدنا خياراتنا النضالية لتحقيق اهدافنا ؟ وهل استخلصنا العبر والدروس المستفادة من تجارب كل منا ؟
الاجابة واضحة وملموسة ومشاهدة فنحن لم نتوافق ولم نتفق بل ما زلنا على حالنا بعد ان توحدنا وتماسكنا وسالت دمائنا ولم يفرق الاحتلال بيننا في جرائمه ومجازره فتوحد الدم ولم تتوحد ارادة السياسيين .. توحدت المقاومة الباسلة وتوحد شعبنا العظيم في مواجهة المحتل وهذا ما يثير الاستغراب والاعجاب بكل فخر واعتزاز .
فاذا كان خيار الكفاح المسلح قد أدى بنا الى مفاوضات سياسية مباشرة والعدوان على غزة والمقاومة الباسلة والانتصار الذي تحقق قد أوصلنا الى مفاوضات غير مباشرة لتحقيق حقوقنا فأين الفرق والخلل في هذه المعادلة ؟
سيبقى الخلل يكمن فينا وبداخلنا لأن عدونا لم ولن يرحمنا وتجاربنا مريرة مع هذا المحتل وهذا ما يجب ان يزيد من مقومات ووحدتنا وقوتنا وتنظيم واعتماد رؤيتنا الاستراتيجية والتي نستطيع من خلالها ان نكسر ارادة المحتل وان نزيد من مقومات ارادة الانتصار وحتى نتمكن من تحقيق اهدافنا ... لأننا في سفينة واحدة ونريد ان ننجز ميناءا بحريا فكيف يمكن ان ترسو السفينة الفلسطينية الأولى على شاطئ الأمان ؟ كما ونريد مطارا ونحن في طائرة واحدة فكيف يمكن لها ان تهبط بسلام ؟ فلا يعقل ان يكون كل منا في قارب صغير ... ولا يعقل ان يكون كل منا بطائرة شراعية لا تستطيع الهبوط في ظل الأنواء والعواصف ... ولم نستطيع تحقيق دولة فلسطينية مستقلة خالية من الاستيطان والمستوطنين وذات ترابط جغرافي سياسي وعاصمتها القدس الشرقية ونحن لا زلنا على حالنا وفي واقع غياب استخلاصاتنا الوطنية .
هذه الحقيقة السياسية وما يحيط فيها من خلل معادلة الموازين الاقليمية والدولية والتي تحتم علينا ان نذهب جميعا الى صياغة فكرنا الوطني بصورة أعمق وأشمل وأكثر فعالية ... واليات فعل وطني أكثر توافقا وتأثيرا .. في واقع شعب متماسك وصابر ومرابط ويقدم التضحيات تلو التضحيات في كافة المعارك وعن قناعة وايمان وهذا ما يجب ان يقدر وان يكون دافعا قويا للقوى السياسية لتحقيق توافقها واتفاقها ووضع استراتيجيتها حتى يلتف الجميع حولها .
تجربتنا الفلسطينية مليئة بالكثير من الفعل النضالي عبر مسيرة كفاح طويلة ومريرة انجزنا واخفقنا ولكننا لا زلنا على عهدنا رافعين هاماتنا وشارة نصرنا متسلحين بإرادة قوية صلبة لن تنال منها كل ترسانات الاسلحة .
لكنني اقولها وبصراحة شديدة ان تجربتنا النضالية وحتى العدوان الاخير على غزة فيها الكثير مما نفتخر ونعتز به.. ولكن وللأسف الشديد .. لا زالت استخلاصاتنا ضعيفة وباهتة وغير مرئية للأجيال ... ولا اعرف لذلك سببا!