شكل ما يُسمى (الربيع العربي) نقطة انعطاف حادة تمثلت في عمليات الاضطهاد والقتل المنظّم في المنطقة وخاصة ما رايناه بعد أحداث الموصل وتهجير مسيحيي المدينة والمذابح بحق الأقلية الأزيدية في جبل سنجار في العراق، وقبلها ما تعرض له مسيحيو سورية وأقباط مصر من عمليات قتل واضطهاد منظمين، لهذا نقول لماذا هذا الصمت المريب من المؤسسة الدينية في العالمين العربي والإسلامي عما يحدث من جرائم ترتقي إلى حد الإبادة الجماعية، ولمصلحة من هذا التدمير الممنهج للتاريخ والحضارة.
وفي ظل هذه الظروف الخطيرة، امام ما ترتكبه عصابة الارهاب المسمى "داعش وجبهة النصرة" وإجرامهما ودورهما الدموي في استهداف أكثر من دولة عربية لا يمكن، ولا يجوز، السكوت عن ذلك ،ونحن نرى الشعوب تموت وتذبح ، لان ما يجري هو مخطط له من قبل القوى الاستعمارية ، التي ارادت ادخال المنطقة العربية في أتون الفتن المذهبية والطائفية،وإستخدام ادوات محلية من اجل ان تقوم بتنفيذ هذه المهمة،من خلال عصابات تكفيرية تقوم بتنفيذ اعدامات بحق الشعوب حيث عملت القوى الاستعمارية المتصهينه على ضخ إحتياط بشري هائل من تلك العصابات من مختلف دول العالم على وجه الخصوص الدول العربية والإسلامية،حيث كان الضخ في البداية الى سوريا من أجل تدمير وتفكيك سوريا دولة وجيشاً وقيادة ومجتمعاً ومؤسسات،وبعد فشل المشروع هناك،انتقل الضخ الى العراق لتنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت المذهبي والطائفي،وصولا الى لبنان وخاصة الى عرسال وجرودها ولكن المخطط أبعد من ذلك بكثير،الا وهو إستخدام ما يسمى بالقوى المتطرفة في مواجهة الدول والمجتمعات التي تريد ان تنهض وتتطور.
وامام كل ما يجري من جرائم قتل وذبح وفق مخطط مدروس وممنهج بهدف الوصول لتصفية الوجود العربي المسيحي في المشرق العربي، وخلق فتن مذهبية وطائفية، وتهجير الأثنيات والقوميات الأخرى ، وتدمير مزارات ومراقد الأنبياء كالنبي يونس اضافة الى جرائمها ، أمعنت بدعوة سكان الموصل لتقديم بناتهم ونسائهم لعمليات ما يسمى بجهاد النكاح الجماعي ومن يتخلف او يرفض ذلك يجري قتله ، مترافقة مع ما يجري على ارض فلسطين في قطاع غزة والضفة الفلسطينية والقدس ،بحيث تصبح عمليات القتل التي يقوم بها الإحتلال هناك لشعبنا واهلنا عادية ومشروعة، وهذا ممهد لإيجاد نظرية جديدة دم مقدس ودم غير مقدس ، هذه المعطيات تؤكد ان الإرهاب الذي يجاهر بإفلاسه وعجزه، يبدو أكثر حقداً وأكثر توحشاً في لغة اعتادت أن تكون أجنداتها ومفرداتها القتل الأعمى والحقد غير المسبوق، على الوطن والأرض ، على الإنسان والحجر، على البناء والشجر، على الأمكنة والزمن، على الحياة والوجود.
ان هذه العصابات المجرمة المتمسحة والمتاجرة بالدين والدخيلة على فكرنا وواقعنا وقيمنا،ما كان لها أن تنمو ،لولا الدعم الاستعماري والخليجي والتركي لها ، تلتقي معها في الهدف والمخطط ،ألا وهو العمل من اجل تدمير النسيج الإجتماعي للشعوب العربية،لكي تحولها الى دول عصر الجاهلية،عمادها المذهبية المتصارعة والمغرقة في التخلف والجهل والإقصاء والتطرف،مما يستدعي وقفة عربية واسلامية في مواجهة هذا الخطر الداهم وإجتثاثه،قبل ان يتفشى في الجسد العربي والإسلامي كالسرطان،وما يحدث بحق الجنود من الجيش اللبناني المختطفين وما يجري في العراق وسوريا هو ناقوس خطر يستهدف الجميع. ولو كانت الولايات المتحدة جادة فعلاً في محاربة الإرهاب، لما غضت الطرف عما يجري في سوريا، واستبعاد دور سوريا من الحلف بمواجهة الارهاب، لان في حقيقة الأمر أن الإرهاب خيار أمريكي استراتيجي، ليس فقط لأنه يخدم مصالح الكيان الصهيوني الذي يحمي الإرهابيين ويخصهم برعاية فائقة ويفتح للمصابين منهم مشافيه على مصاريعها، بل لأنه الأداة المثلى لتحقيق الأهداف الجيوسياسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم أيضاً.
ان التجارب الأميركية في المنطقة والعالم، وما جرته سياسات بلاد العم سام من حروب وويلات، لا تصب إلا في خانة واحدة، وتقود إلى حقيقة مطلقة، وهي أن الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية ورغم كل هزائمهم، ما زالوا متعطشين لإرواء نهمهم الإجرامي بحكم غريزتهم الإرهابية، التي تحتم عليهم المضي في سياسة تفريخ الإرهاب وتصديره إلى كل بقعة في الأرض ترفض أن تكون جزءا من امبراطوريتهم الإرهابية.
لايحتاج العاقل إلى خبرة استراتيجية عالية ليدرك كيف ساهم انتصار حزب الله في المعارك التي خاضها في سوريا من اجل حماية لبنان او على الأقل بالحد من المخاطر التي تهدد لبنان ،فالمنطق يفرض الإقرار بان التدافع الدولي الكبير لمحاربة الإرهاب والقضاء على مخاطره، يثبت صحة مقاربة حزب الله للملف منذ البداية وإدراكه لضرورة القتال ضد هذه الحركات ومنع تمددها .
وامام هذا الخطر من واجب الجميع بدون أي استثناء الوقوف خلف الجيش وقيادته وضباطه وجنوده في واحدة من أهم معارك الدفاع عن الوطن وكل إخلال بهذا الأمر يضعف قدرة لبنان على صد المخاطر الكبيرة الزاحفة وكل ملاحظة أو فكرة بناءة غايتها تحصين المؤسسة العسكرية وتعزيز قدراتها يجب الحرص على سوقها في القنوات الضيقة والمباشرة بدلا من توهين صورة الجيش وهز مصداقيته بوضعها في التداول .
ان التلاحم بين الجيش والمقاومة يمثل بعدا رئيسيا في المعركة ضد عصابات التكفير الإرهابية بالنظر لما بات لدى المقاومة من خبرات جديدة راكمتها في الميدان السوري ضمن عملها على خط إبعاد الخطر عن لبنان ولولا ذلك لكانت جحافل التكفير قد اجتاحت لبنان بعشرات آلاف المسلحين قبل مدة طويلة.
وامام كل ذلك نقول ان الموقف الفلسطيني الشجاع بالحياد الإيجابي المنحاز للسلم الأهلي، شكل وما زال يشكل بوصله صحيحه ، لان الفلسطينيون تبقى بوصلتهم نحو فلسطين ،وفلسطين هي المبتغى وهي الغاية وهي الهدف ، ونحن على ثقة بان كل القوى والفصائل الفلسطينية ستواجه هذه المشاريع التي تريد ضرب النسيج الإجتماعي والتي ترغب بزرع بذور الفتنة على هذه الارض المقاومة التي لم ترضخ للقتل والتدمير الممنهج .
أن المعركة في مواجهة الارهاب باتت مفتوحة بعدما تمادى هذا الارهاب في مسلسله الدموي في استهداف لبنان لقتل الحياة على أرضه، إلا أنه رغم أن لبنان في قلب العاصفة التي تهب على المنطقة التي تغلي على صفيح ساخن، فأن التصدي لهذا الاجرام ومخططاته ، تتطلب ترسيخ الوحدة الوطنية والعمل الحثيث لتخليص لبنان من نتائجه المدمّرة والتحرّك بصورة تجعل من مقاومة الإرهاب ضرورة وطنية قوية قادرة على الصمود ، من خلال رص الصفوف بعيداً عن العصبيات المذهبية ، والحفاظ على انتصارات المقاومة التي اقتدت بتجارب الشعوب الثورية، إلى جانب ماتتمتع به من خصائص لبنانية عربية ، وطنية واسلامية ، وقدر فلسطين وشعبها أن يلازمهما على الدوام الحصاد الدموي المستمر والمتواصل، من قبل العدو الصهيوني ، فالإرهاب الصهيوني بشتى أشكاله وصوره الهمجية مستمر ومتواصل بحقد وشراسه، وشلال العطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان والقضية بشتى أشكاله وصوره النبيلة والمشرفة مستمر ومتواصل بغزارة هو الآخر، ولنا في كل يوم وأحياناً كثيرة في كل ساعة أو دقيقة شهيد إلى أن تتحقق العودة ويتحقق حلم الشعب الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس.
ختاما: لا بد من القول يبقى هناك وسام شرف يعلق على صدور الشهداء علي السيد وعباس مدلج ، وعلى جنود الجيش اللبناني والقوى الامنية، وهو أن محبتهم لوطنهم وأرضهم ويكرسون الشهادة فداء للحرية وأملا بالحياة ، بمواجهة الثقافة السوداء التي يعممها أصحاب الأفكار التكفيرية الذين يموتون من أجل تعميم ثقافة الفناء وتعويم الجاهلية والارتكابات التي لا تمت للانسانية بصلة .
كاتب سياسي