تتميز المجتمعات الإنسانية بالتنوع السياسي والإجتماعي والفكري والديني، مع أننا جميعاً ننتمي للأسرة الإنسانية، إلا أننا مختلفون وأن لكل منّا شخصية مستقلة ومميزة، ومن حقنا أن نعبر عن هذا الإختلاف وأن نعتز به لأنه أساس ثراء الإنسانية. وأن إدراكنا للإختلاف فيما بيننا يحتم علينا تعزيز فكرنا وثقافتنا وقبول الآخرين من خلال دعم تسهيل مشاركتهم الكاملة في نواحي الحياة المختلفة، وضرورة إحترام هذا الإختلاف يبرر حق كل فرد في الإنضمام إلى الجماعة التي تشاركه أفكاره وإهتماماته وميوله، وقد تكون هذه الجماعة نادياً رياضياً، ثقافياً أو مؤسسة أهلية أو جماهيرية أو حزبية...إلخ، ومن حقنا وحق الآخرين الإختلاف في وجهات النظر تجاه القضايا المجتمعية الشائكة، ولم يعد مقبولاً فرض رأي الأغلبية السياسية أو الدينية أو العرقية على الأقلية في المجتمع، والمجتمع المدني يؤمن بالتعددية المبنية على التسامح بين فئات المجتمع المختلفة، والثقافة المدنية الملتصقه بالتسامح آراء و وجهات النظر المختلفة تشكل شرطاً مهماً من شروط الممارسة المدنية. يستطيع الناس تفهم وجهات نظر الآخرين عن طريق الحوار والإختلاف الذي لا يولد حواراً يتحول الى خلاف عنيف، ولممارسة الحوار أصول منها الإصغاء للآخرين وإحترام آرائهم والتكلم بهدوء ووضوح وتقديم الأدلة على ما تقول، والإبتعاد عن الجدل الذي لا داعي له. ومن أشكال التعددية تخصيص مقاعد للأقليات الدينية، الترخيص لوسائل إعلام متعددة ومتنوعة.
فالتسامح يعني قبول فكره تعدد الثقافات، وأساليب الحياة داخل المجتمع وخارجه، أما التعددية تعني الحياة الفكرية والثقافية والسياسية، فعندما يتاح المجال لعقل الإنسان ليفكر ويتبادل الأفكار دون قيود، يستطيع أن يبدع وأن يقدم الجديد.
فالتسامح لغةً: يقال سامحه في الأمر أي ساهله ولاينه و وافقه على مطلبه. والتسامح فعل مشترك يدل على التساهل والملاينة والموافقه. وهو في معناه الحديث يدل على قبول إختلاف الآخرين – سواء في الدين أم العرق أم السياسة. والتسامح يعني الإستعداد لإتخاذ الموقف المتسامح. العفو عند المقدرة من شيم الكرام، يشير إلى المقدرة على العفو.
فالتسامح الديني يجيب على أهم سؤالين تواجههما الإنسانية ألا وهما:
- قيم التسامح وأثرها على التعايش؟
- موقف الأديان من التسامح؟
حيث قيمة التسامح الديني تتمثل في كونه يقتضي الإحترام المتبادل، والمساواة في الحقوق وإرهاصاً لإقامة مجتمع مدني.
فالتسامح في الإسلام يعترف بوجود الغير المخالف فرداً أو جماعة، ويعترف بشرعية ما لهذا الغير من وجهة نظر ذاتية في الإعتقاد والتصور والممارسة تخالف ما يرتئيه شكلاً ومضموناً. ويكفي ان نعلم أن القرآن الكريم قد سمى الشُرك دينياً على الرغم من وضوح بطلانه، لا لشيء إلا أنه في وجدان معتنقيه دين. فقد دعا الإسلام إلى ان يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودة وبر وإحسان، القرآن يحذر أتباعه وينهاهم عن سب المشركين وشتم عقائدهم.
أما التسامح في المسيحية فقد ورد في الإنجيل على لسان يسوع المسيح: " لقد قيل لكم من قبل ان السن بالسن والأنف بالأنف وانا أقول لكم: لا تقاوموا الشر بالشر بل من ضرب خدك الأيمن فحول اليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فاعطه أزرارك، ومن سخرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين. من إستغفر لمن ظلمه فقد هزم الشيطان".
والديانه اليهودية تدعو إلى التسامح كما ورد في التوراة: " كل ما نكره أن يفعله غيرك بك فإيام ان تفعله أنت بغيرك".
إذن التسامح الديني مطلب إنساني دعت إليه كافة الأديان دون إستثناء.
أما موضوع التسامح السياسي فيكمن في الحكمة القائلة " ما لايمكن منعه يجب السماح به" إلاّ أن السؤال المفترض ذكره في هذا الموضوع: هل ينبغي التسامح مع غير المتسامحين؟ هناك سؤالان يجب ذكرهما والإجابة عليهما:
الأول: هل ينبغي للجماعات غير المتسامحة أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها؟
الثاني: هل للجماعات أو الحكومات المتسامحة الحق في ألا تتسامح مع غير المتسامحين؟
الإجابة على السؤال الأول: عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به.
الإجابة على السؤال الثاني: ليس للجماعات غير المتسامحة الحق في أن تتذمر عندما لا يجري التسامح معها، بالمقابل على الدولة أن تعامل غير المتسامحين بطريقه متسامحة.
فالتسامح السياسي يكون:-
1. تجنب العنف.
2. قبول التظاهر وسيلة للتعبير عن بعض الجماعات التي ليست لها طريقة أخرى لجعل آرائها ورغباتها معلومة بتأكيد خاص.
3. وثمة حاجة إلى التسامح فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي ولكن هذا لا ينبغي التسامح مع العنف.
4. لكل مرء الحق في الدفاع عن نفسه عندما تهدد حريته.
فالمسلمون دخلوا الأندلس في القرن التاسع كفاتحين – يحملون حضارة مختلفة دينياً ولغةً، وحضارة العصر العباسي في القرن العاشر(العلم، الفلسفة، الأدب والشعر) نتائج حضارة التسامح والتعايش بين شعوب واديان ومعتقدات وعليه فإن التسامح الديني قاعدة الحكمة السياسية، والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه.
أما بالنسبه لنا كشعب فلسطيني، فإننا نؤمن بالتعايش الديني والسياسي ونمارسه نظرياً وتطبيقاً، ويشهد لنا عليه تاريخنا القديم والحديث إنطلاقاً من خصوصياتنا على إعتبار ان أرض فلسطين مهبط الديانات التوحيدية الثلاث( الإسلامية، والمسيحية، واليهودية) وشعبنا الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه جزء لا يتجزأ من الأمة العربيه، وأرضه جزء من الوطن العربي الكبير.