ما أن وضع عدوان الجرف الصامد على قطاع غزة أوزاره في 26-8-2014 , بدأ الحديث عن العديد من الصعوبات التي يعانيه الاقتصاد الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة الذي ما زال ينزفُ معاناة وألم نتيجة لهذا العدوان الأكثر شراسة من سابقيه, وإن كانت المشكلة الأولى التي تواجه قطاع غزة هي إعادة أعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي, وبدء عمل حكومة التوافق الوطني التي انبثقت عن اتفاق الشاطئ في ابريل 2014 , وتوفير رواتب لموظفي حكومة غزة المقالة , وتحفيز النشاط الاقتصادي و العمل على إنعاش اقتصادي بالقضاء على حالة الركود القائم .
وعليه فإن تفاقم مشكلتي الانقسام والرواتب ما زالت سائدة رغم الأجواء الايجابية التي شهدتها جولات الحوار المتكررة بين حركتي فتح وحماس , تلك الأجواء الايجابية عادت من جديد لنقطة الصفر , في ظل تأخر صرف رواتب موظفي غزة للشهر الرابع على التوالي والتي تنذر بمخاطر عديدة من ضمنها استمرا ر الانقسام السياسي, وتباطؤ في الناتج المحلي , والتأخر في ملف إعادة أعمار غزة والتي ستشكل ضغط أكبر على سكان القطاع , وتزايد الوضع سوءاً وخصوصا عشرات الآلاف من النازحين والذين هم بلا مأوى, والتي تشير التقارير الرسمية وصولهم إلى 130 ألف شخص, هذه المشكلة معقدة وليست سهلة كما يتصور البعض وهي حجم الموازنة المتوقعة في ظل الواقع الجديد حيث ستعاني من عجزاً مزمناً أسوء مما هو عليه الحال قبل ذلك , وخصوصا أن الموازنة الفلسطينية للعام 2014 قد بلغت 4.1 مليار دولار وبعجز وصل 1.3 مليار دولار يتم تغطيته من المساعدات والمنح الخارجية إضافة لموازنة حكومة غزة المقالة والتي تعاني عجزاً يقترب من 600 مليون دولار , وهذه العيوب التي ما زال الاقتصاد الفلسطيني يتسم بها, إضافة للضرائب غير المباشرة والمعروفة بالمقاصة والتي يتحمل أعباءها الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة, هذا العجز سيرتفع في موازنة العام 2015 بسبب إمكانية زيادة نصيب الخدمات الاجتماعية في الموازنة وخصوصا صرف مستحقات الآلاف من الجرحى والشهداء وإعانات العاطلين عن العمل , ومن خلال ذلك فلا جديد تحت شمس غزة سوى أن أزمتنا هي رواتب , وهذا ما استطاع الاحتلال الإسرائيلي تكريسه بقوة وخلال عقدين من الزمن من تعرية للاقتصاد, وحالة الانكشاف والتبعية ,والاعتماد بشكل كبير على المساعدات والمنح الخارجية التي أسرت القرار السياسي والاقتصادي لسياسات المانحين , وذلك من خلال بعض الشروط والتي غالباً كانت سبباً في عدم بناء اقتصاد سوي ومنتج في مقابل دفع رواتب العاملين في الجهاز الحكومي لاستمرار حالة من الهدوء والأمن وإعطاء شرعية للاحتلال دون القضاء عليه, عبر إغراق القطاع بالمساعدات الإغاثية وتحويل القضية الفلسطينية لقضية إنسانية وهذا ما تؤكده المؤشرات الاقتصادية ومنها ارتفاع كبير لدرجة الحرمان والفقر واعتماد ثلثي القطاع على تلك المساعدات , وفي السياق نفسه فإنه وعند تتبع للموازنات الفلسطينية نلاحظ أن جُل تلك المساعدات يذهب للنفقات التشغيلية ولتمويل العجز في الموازنة على حساب النفقات التطويرية وقطاعات التنمية الاقتصادية , وهذا ما يعني محدودية تأثير تلك المنح والمساعدات على النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية والتي لم ينجم عنها أثراُ ملموس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في ظل تفاقم مشكلتي البطالة والفقر وبلوغها لمستويات مرتفعة قياساً بدول الجوار .
تلك المشكلات التي يعانيها قطاع غزة وأهما الفقر, البطالة, الحصار , أزمة الرواتب , إعادة الإعمار , حالة الركود الاقتصادي الشديد, عدم استغلال بعض الموارد الاقتصادية وأهما حقول الغاز الموجودة على سواحل غزة والتي تقدر بحوالي 1.4 تريليون قدم وتصل قيمتها لأربعة مليارات دولار ؛ تحتاج لرؤية واضحة ولبعد أفق زرقاء اليمامة .
وهذه الرؤى عجز الاقتصاديين في الأراضي الفلسطينية عنها , في التوصل لحلول لتلك المشكلات المتفاقمة بشكل كبير وتحديداُ في قطاع غزة والذي يعاني من ركوداً اقتصادي في طريقه للكساد في ظل غياب الخطط والرؤى الاقتصادية القائمة على بناء اقتصاد حقيقي منتج .
ومن نافلة القول بأن قطاع غزة بحاجة لوجود تلك اليمامة من خلال عقد مؤتمراً اقتصادي يشارك فيه المختصين والخبراء لانقاد الاقتصاد من الهاوية وامكانية إنعاشه قبل فوات الأوان, وغير ذلك يعني غياب اليمامة بلا رجعة لتبدأ روايات جديدة عن حلقات فشل مستمرة .