لا بد من عملية استنهاضية لتخطي دوائر المراوحة والإحباط

بقلم: عباس الجمعة

إنني أتحدث عن واقع مأزوم منتشر بضراوة اليوم ، في ظل مناكفات اعلامية ، يتمثل في لغة لا تخدم انجازات وتضحيات الشعب الفلسطيني، وما تحقق من انتصار ، لذلك يجب على الجميع أن لا يحجب عن أعينه التحديات التي أفرزتها طبيعة المواجهة، مما يتطلب الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني وترميم العلاقات مع دول الجوار وعدم الدخول في محاور إقليمية مهمات لا بد من إنجازها ، بعد ان تعلم الشعب الفلسطيني دروس من الصبر ، فيجب على الجميع ان يرتقي لمستوى فلسطين التي قالت كلمتها بكافة السبل والوسائل وتبعث برسائلها بكل اللغات المعلومة وتلك غير المعروفة .
في ظل هذه الظروف اقول واقعنا بحاجة ماسه لجرأة عالية ومتصلة من العمل لتخطي دوائر المراوحة والإحباط ، باتجاه التأسيس لعمليات نهوض لابد منها ، وخاصة اننا نخوض جولات الصراع والتناقض الرئيسي التناحري مع أعدائنا ، الامبرياليين والصهاينة ، لذا يجب أن تتم العملية الاستنهاضية ، وعيا وممارسة ،عبر إعادة تجديد وبناء ودمقرطة كل الاحزاب والفصائل الفلسطينية بوصفها صيرورة تقوم بوظيفتها عبر رؤيتها وبرامجها الثورية ودورها المحدد ،من خلال مراكمة عوامل النهوض والإزاحة المتتالية لكل العوامل المؤدية إلى التراجع أو الفشل ، وذلك مرهون بتأمين شروط الفعالية السياسية والفكرية والتنظيمية والكفاحية والجماهيرية القصوى في قلب الصراع ، عبر توفير معايير ونواظم وآليات عمل داخلية ، ديمقراطية وثورية ، كعنصر قوة للارتقاء بدور الاحزاب والقوى التقدمية العربية ورؤيتها وممارستها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها ، إذ أن بقاء وضع هذه الأحزاب والفصائل تحت رحمة البيروقراطية القيادية اللاديمقراطية التي تتميز في معظمها بأنها ضعيفة الكفاءة والعاجزة أو المترهلة أو المرتدة فكريا وهابطة سياسيا .
ان الابتعاد عن الممارسة الصحيحة والغرق في مستنقعات الردة والعقلية الجامدة او الهابطة والانتهازية، يفتح الباب واسعا داخل التنظيم "أمام توليد بيئة ملائمة للشللية وللنفاق وفقدان الجرأة والصراحة واللعب على التناقضات وشخصنتها ، وفقدان القدرة لدى معظم الأعضاء على المحاسبة والنقد الجريء ، وبالحصيلة ، مزيد من التراجع والتهميش وإغراق اي حزب او فصيل وما يواجهه من أسئلة ومعضلات ومهام كبرى فكريا وسياسيا وكفاحيا في مزيد من الأزمات والمناورات والحسابات الأنانية والعزلة عن الجماهير ، وفي مثل هذه الحالة تكمن المأساة ، لأن اي حزب او فصيل هو الذي يدفع الثمن من رصيده السياسي والمعنوي (والتنظيمي) ، على شكل فقدان الشروط الضرورية لتأدية دوره ووظيفته السياسية والنضاليه والاجتماعية على المستوى الوطني .
لذلك لابد من وقفة مراجعة جدية لاستنهاض دور الفصائل والاحزاب الفلسطينية والعربية ، بالمعنى الموضوعي والذاتي ، خاصة وأن ما ينقص معظم قيادات وكوادر وأعضاء امتلاك الوعي العلمي الثوري في صفوف الاغلبية الساحقة ، فبينما تتوفر الهمم في أوساط الجماهير الشعبية واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل إشكاله ضد العدو الامبريالي والصهيوني ، وضد القوى الارهابية التكفيرية المغطاة بالدين والتي تحاول عبر مشروعها تفتيت المنطقة وقيام كانتونات مذهبيه وطائفية واثنيه .
لهذا نرى ان الاحزاب والفصائل لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي ولا في حدوده الدنيا ، لأنها عجزت بسبب أزماتها وتفككها ورخاوتها الفكرية والتنظيمية عن إنجاز القضايا الأهم في نضالها الثوري ، وهي على سبيل المثال وليس الحصر، عجزت عن بلورة وتفعيل الأفكار المركزية التوحيدية لاعضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك الفكر الديمقراطي الثوري ، ومن ثم عجزت عن إيجاد الحلول أو صياغة الرؤية الوطنيه الواضحة والبرامج المحددة ، كما عجزت عن صياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو الامبريالي الصهيوني من ناحية وعن صياغة البديل الديمقراطي الجامع حول قضايا المرأة والشباب ، وهما أيضا الشرط الوحيد صوب خروج هذه الأحزاب من أزماتها ،وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها
وها نحن اليوم نعيش مرحلة استثنائية ، وما زال الشعب الفلسطيني الذي قدم الآلاف من قوافل الشهداء مستمرا في صموده ونضاله رغم الهجمة العدوانيه الامريكية الصهيونية ، ورغم الانقسام ، الأمر الذي يفرض على كافة الفصائل والقوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية مزيدا من الوحدة والنضال لتثبيت أسس وبرامج نضالها الوطني، ومراجعة خطابها السياسي ، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق رؤية سياسية وكفاحيه باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني من الدرجة الأولى.
ففي ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف الإمبريالي الصهيوني وموقفه النقيض للحد الأدنى من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية ، بات واضحاً ، أن الاحتلال الصهيوني يتمسك بلاءات خمسة هي: لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، لا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، الأمر الذي يفرض على الجميع تحمل أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطا بدورها في المرحلة الراهنة عموما ودورها المستقبلي على وجه الخصوص، وهذا يتطلب إسهام الجميع في مناقشة القضايا المطروحة بكل مسؤولية ووعي من اجل بلورة الأسس الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكفل نهوضها ، بما يمكنها من تحديد رؤيتها ومهامها ووحدتها الداخلية للمرحلة القادمة بدقة .
ان صياغة رؤية وقراءة واعية وموضوعية لكافة المتغيرات السياسية والمجتمعية والفكرية ، سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الدولي من قبل الفصائل والقوى يجسد المعنى الحقيقي للأعباء والمسؤولية الملقاة على عاتق كل فصيل حزب، وصولا إلى النتائج المأمولة التي ستمكنهم من تحقيق عملية النهوض صوب دورهم الطليعي المنشود.
لذلك فإن المهمة العاجلة امام كافة الفصائل والقوى الفلسطينية بما فيها جبهة التحرير الفلسطينية ، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية ببعديها السياسي والمجتمعي ، انطلاقاً من معالجة الأخطاء السابقة ومظاهرها الضارة، الفكرية والسياسية والتنظيمية وتفعيل دورها النضالي وامتلاك رؤية عملية واقعية ، وتحشيد الجماهير الفلسطينية بدون استثناء وذلك استجابة لطبيعة ومهمات مرحلة التحرر الوطني ، وترابط العمل الوطني الفلسطيني مع العمل القومي العربي، والذي يعكس رؤية لخصوصية الصراع وموازين القوى وللبعد القومي كحاضنة للبعد الوطني، وحشد أوسع إطار دولي لنصرة القضية الفلسطينية إلى جانب بعديها الفلسطيني والعربي.
لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية بكل المقاييس والمعايير،هو الارهاب التكفيري ، الذي يسعى لفرض هيمنته وسيطرته على الشعوب العربية،وبث سموم أفكاره الغربية عن بيئتنا وحضارتنا العربية،والخاسر الاكبر منه فلسطين ،مما يستدعي من كافة الدول والقوى والاحزاب العربية استنهاض دورها وتصليب المواجهة مع الإرهاب من خلال بذل جهودها من أجل ملاقاة هموم الجماهير الشعبية، فهذه الجماهير هي، بجميع المقاييس، السند الحقيقي للصمود بمواجهة الارهاب والنفوذ الامريكي الاستعماري .
إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها، في هذه اللحظة ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً وأحادياً فيها، من خلال مواجهة قوى الارهاب التي تريد تدمير المنطقة لحساب المشاريع الاستعمارية ، ونرى أنّ المسؤولية تقتضي أن يدرك الجميع أن ما سمي ربيعا عربيا، شكل البوابة العريضة للإرهاب الذي يرتكب افظع الجرائم والمجازر في سوريا والعراق ولبنان، وأن هذا الربيع العربي كان الهدف منه تصفية القضية الفلسطينية، ولكن صمود قوى المقاومة في مواجهة الإرهاب والتطرف، كان له الأثر الكبير في ترجمة صمود فلسطين بشعبها ومقاومتها، وفي تحول هذا الصمود الرائع إلى انتصار مدو على الإرهاب الصهيوني، وهو انتصار لا شك في أنه سيليه انتصارات كبيرة في المقبل من الأيام.
ختاما: ندرك سر قوة شعوبنا وخاصة الشعب الفلسطيني الذي يواجه اعتى ارهاب في العالم ، وان الوحدة الفلسطينية التي تجسدت في مواجهة العدوان على مساحة كل فلسطين ساهمت في إعطاء دفع للموقف الفلسطيني الذي استند إلى تضحيات المقاومة ودماء الشهداء وما قاساه الفلسطينيون من مآسٍ ومعاناة خلال فترة العدوان ، وهذا يستدعي ان يبقى نضالنا ينصب في غاية تحقيق اهداف شعبنا في العودة واقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس.
كاتب سياسي