شباب قطاع غزة : باحث ومفكر !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

منذ اللحظة الأولى من انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 26-8-2014 الذي استمر 51 يوماً وسميت بعملية الجرف الصامد والتي راح ضحيتها المئات ما بين شهيد وجريح, إضافة لمئات المنشآت الاقتصادية والإنتاجية المُدمرة وشبه انهيار للبنية التحتية والآلاف من الشقق السكنية, وخلقت أزمة هي الأشد على قطاع غزة تمثلت بتفاقم مشكلة النازحين ؛ و ما رافق ذلك وكنتيجة لما شهده أهالي قطاع غزة من أوضاع صعبة بدأ التفكير بالهجرة من قبل مئات الشباب العاطلين عن العمل والباحثين عن أدنى مقومات الإنسانية , العيش الكريم والاستقرار والشعور بالأمن والآمان المفقودين في قطاع غزة, وهذه الهجرة وبهذه الأرقام الكبيرة رغم ارتفاع درجة المخاطر والمتمثلة بفقدان الحياة لا تعتبر نتيجة للعدوان الإسرائيلي فحسب وإنما هي امتداد طبيعي للوضع الاقتصادي المتأزم بقطاع غزة وما رافقه من تجليات وانعكاسات على الواقع الاجتماعي , فعند النظر إلى التقارير الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يتضح أن غزة بيئة خصبة للهجرة للبحث عن أهم المطالب التي كفلتها الأديان والشعائر السماوية والأرضية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها وهي الأمن والآمان والحصول على مستوى معيشي لائق للحياة وتحسن في الوضع الاقتصادي وعدم العوز والحرمان لأدنى مقومات الحياة والتي باتت مفقودة للغزيين بسبب الأوضاع التي وصلت إليها وأهمها الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 2006 وكذلك حالة الانقسام السياسي وغياب الرؤى لمتخذ القرار الاقتصادي والسياسي , إضافة لصمت القبور التي تمارسه السلطة الفلسطينية والحكومات المتعاقبة في البحث عن حلول للمشكلات المتفاقمة بقطاع غزة وأهمها الفقر والذي وصل لأرقام قياسية حيث تعاني الأسر الفلسطينية بقطاع غزة من فقر مدقع يصل إلى 38.8% إضافة لبلوغ نسب الفقر النسبي لحدود 60%, وهذه النسبة المرتفعة هي انعكاس طبيعي لارتفاع معدلات البطالة والتي ارتفعت في نهاية العام 2013 بعد إغلاق الأنفاق , وتزايدت أكثر لتقترب من 50% كأثر مباشر للعدوان الإسرائيلي الأخير , إضافة للارتفاع في المستوى العام للأسعار والذي بلغ 6.6% حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية والضرورية ومنها أسعار السجائر المستوردة والدواجن الطازجة واللحوم والخضروات والفاكهة والبيض وغاز الطهي ومنها ما ارتفع بحدود المائة بالمائة ومنها فاق ذلك , هذا الارتفاع في أسعار تلك السلع رافقه ارتفاع في معدلات البطالة في الظاهرة الأخطر على الاقتصاد الغزي , و التي تتمثل في ارتفاع في نفس الاتجاه للبطالة والأسعار , وهذا ينذر بتراجع كبير في النشاط الاقتصادي وتباطؤ الناتج الذي يتراجع منذ نهاية العام الماضي دون وجود خطط إنعاش أو تحفيز مناسبة, وهو ما يضع الحكومة والسلطة الفلسطينية أمام مسئولياتها تجاه تفاقم الوضع في قطاع غزة , والذي أجبر المئات من الشباب والخريجين للمغامرة والسفر عبر جهات غير رسمية عبر التهريب والتي لم تليق بتضحيات وبمستوى الشاب الفلسطيني الذي تعتبر المعاناة لديه شكل من أشكال الحياة وبشكل مستديم , هذا الوضع المأساوي الذي حل بقطاع غزة يعني أننا أمام تطورات خطيرة تهدد المجتمع بأكمله وتحتاج لحلول عاجلة .

وفي المحصلة الأخيرة فإن تزايد أعداد المهاجرين وتراجع الأفق والرغبة بالخروج من ضيق الحياة وقسوتها هي امتداد لإرث الاحتلال الذي يهدف أولا لقتل كل ما هو فلسطيني , إضافة للواقع الاقتصادي الصعب وخصوصا في السنوات السبع الأخيرة والتي تمثلت بغياب العدالة والتباين في الشرائح الاجتماعية وغياب الرؤى للسلطة والحكومة في البحث عن بديل للواقع الصعب وما رافق ذلك من تردي الوضع الاجتماعي كارتفاع للفقر والعنوسة وسؤء التغذية ونسب الطلاق المرتفعة والعزوف عن الزواج لشريحة من الشباب لعدم توفر الإمكانيات .

وعليه فإن الفكرة بالهجرة هي امتداد لأخطاء الحكومات الفلسطينية والتي أهملت قطاع غزة وكانت صامتة ولم تتحرك رغم الدراسات الاقتصادية والتقارير المنشورة عن ذلك , والتي استطاعت تعميم ظواهر اليأس والإحباط لجل شرائح المجتمع, ولم تتمكن من توفير أهم مقومين للحياة وهي الأمن والاقتصاد.

ورغم حجم المعاناة غير المسبوقة بقطاع غزة فإن لسان حال الشباب وخصوصا الخريجين منها 70% في صفوف العاطلين عن العمل : باحث عن العمل ومفكر بالهجرة !!

وفي الختام فإن الفقر الذل وغيا ب الآمان في الوطن غربة , والغنى والكرامة وتوفر الآمان في الغربة وطن !!