الدولار يواصل الارتفاع مع استمرار الإنعاش للاقتصاد الأمريكي.

بقلم: حسن عطا الرضيع

يراقبُ الاقتصاديين عن كثب للتغيرات في أسعار صرف الدولار مقابل العملات الأخرى كاليورو, مع الارتفاع الملحوظ في الدولار والناجم عن التحسن والإنعاش في الاقتصاد الأمريكي والذي ظهر بتراجع مؤشرات البطالة وبلوغها لحدود 6% وهي النسبة الأقل في الأعوام الستة الأخيرة والتي شهد به الاقتصاد الأمريكي والعالمي لأزمة مالية سرعان ما تحولت لأزمة اقتصادية شملت كل مناحي الحياة, حيث التباطؤ في الناتج المحلي الاجمالي, وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وبلوغ معدلات سالبة في دول أوروبا وكذلك تفاقم مشكلة البطالة وارتفاعها لحدود تزيد عن 10% وهو ما يعني وجود اختلال بنيوي في النظام الاقتصادي الرأسمالي رغم قدرته على التعايش والاستمرارية والإنتاج وتحقيق مرونة عالية للحياة رغم كل المشكلات التي يعانيها منذ بداية القرن العشرين, ويعود ذلك للنظر مجدداً بدور الدولة وتدخلها بالنشاط الاقتصادي وهي الركيزة التي اتسمت بها الدول المتقدمة والنامية على حد السواء ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والتي ضخت 700 مليار دولار كخطة إنقاذ أولية للبنوك والمؤسسات المالية المتعثرة بسبب أزمة الرهن العقاري عام 2008 , ونتيجة لحالة الركود في الاقتصاد الأمريكي والتي ضغطت أكثر على المؤشرات الاقتصادية الكلية وتسببت في تراجع الدولار وتفاقم مشكلة العجز في الموازنة العامة وتزايد الدين العام واقترابه من 16.7 تريليون دولار وهو يزيد عن الناتج المحلي الأمريكي البالغ 15 تريليون دولار وهو ما يشكل 18% من إجمالي الناتج العالمي , ولكن ومع التحسن الملحوظ في الأوضاع الجيو سياسية وخصوصا في أوكرانيا بدأ الدولار بالارتفاع , رغم التباين والاختلاف في السياسات النقدية المتناقضة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو, حيث اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسات نقدية توسعية في مقابل سياسة انكماشية في منطقة اليورو , ومع ذلك ونتيجة للأجواء الايجابية والآمال بما حققه الاقتصاد الأمريكي كأفضل أداء مقارنة باقتصاديات دول أخرى حيث انخفضت البطالة لحدود 6% مع تراجع خطط التيسير الكمي حيث انخفض ضخ الأموال من 85 مليار دولار شهرياً قبيل اندلاع الأزمة إلى 25 مليار دولار ومع امكانية الانتهاء تدريجياً من هذه الخطة الإنعاشية وهذا سينعكس بالإيجاب على الاقتصاد الأمريكي وزيادة ثقة المستثمرين بالدولار وزيادة الطلب عليه مما أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل اليورو مثلاً, حيث تعاني منطقة اليورو من انكماش اقتصادي يظهر جلياً بارتفاع لمعدلات البطالة لتصل في المتوسط إلى 11% ومع الإجراءات والسياسات المتبعة والهادفة لتحفيز النشاط الاقتصادي عبر خفض لأسعار الفائدة مقابل رفع الولايات المتحدة لسعر الفائدة لاحقا , هذا الانكماش الاقتصادي التي تعاني منه دول منطقة اليورو ستضغط على الدولار صعوداً وهذا سينعكس على أسواق المال العالمية وأهما الأمريكية حيث زاد نمو بيع المنازل والصناعة ونشطت التجارة الخارجية.
وفي السياق نفسه فإن لأثر ارتفاع الدولار انعكاسات على أسعار الذهب والنفط, ونتيجة للاستقرار في الأوضاع الجيو سياسية وخصوصا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية, أدت إلى زيادة الثقة بالدولار وتراجع الإقبال على الذهب كملاذ آمن في مقابل زيادة الطلب على الدولار وهذا ينعكس على أسعار النفط وبلوغها لحاجز المائة دولار.
أما فيما يتعلق بسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الشيكل فإن هناك ارتفاع للدولار وبلوغها حاجز 3.6 شيكل للدولار الواحد فيعود لأسباب منها زيادة الطلب على الدولار وتراجع الطلب على الشيكل رغم تدخل البنك المركزي الإسرائيلي بتخفيض أسعار الفائدة بحدود الربع بالمائة, ويعود السبب لحالة الركود الاقتصادي التي يعانيها الاقتصاد الإسرائيلي والناجم عن تزايد حدة المقاطعة الاقتصادية وخصوصاً الأوربية للمنتجات الإسرائيلية والتي تقدر بعض الدراسات خسائر ذلك بحوالي 8 مليار دولار , مع تداعيات عدوان الجرف الصامد على قطاع غزة والتي بلغت تكلفتها 6.5 مليار شيكل أي ما يقرب من 1.8 مليار دولار إضافة للخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة, ارتفاع الدولار يعني ارتفاع أسعار الواردات الإسرائيلية من الخارج مما يعني ارتفاع الأسعار محلياً والتي تزيد ضغطاً أكثر على مستويات المعيشة , هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل تدهور الشيكل سينعكس بالسلب على أداء الشيكل وعلى أداء البورصة الإسرائيلية مما يعني إمكانية قيام البنك المركزي الإسرائيلي بالتدخل عبر خفض سعر الفائدة لتحفيز الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستهلاكي والاستثماري مع ضرورة توازن بين حجم الإنتاج والاستهلاك, إضافة لضخ مئات الملايين من الدولارات لرفع الطلب على الشيكل للتحسن في أداء الشيكل مثلما ما حدث في أزمة التضخم النقدي التي عاني منها الاقتصاد الإسرائيلي في نهاية السبعينات حتى منتصف الثمانينات حيث أثرت تلك الأزمة على الاقتصاد ككل وكادت أن توشك على انهيار النظام المالي لولا تدخل الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها ب 1.5 مليار دولار , هذا الارتفاع في الدولار مع الترجيح بوصوله لأربعة شواكل للدولار الواحد تنذر بتفاقم مشكلة التضخم المالي في إسرائيل وانعكاسات ذلك على الوضع المعيشي عبر ارتفاع الأسعار من خلال ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع مستلزمات الانتاح المستوردة و الُمقومة بالشيكل والتي تعني انخفاض نصيب الفرد من الدخل الحقيقي .
ومن أبرز العوامل التي من الممكن أن تزيد ضغوطاً على النظام المالي وبالأحرى على قيمة الشيكل هي استمرار المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الإسرائيلية والتي ستكبح جماح الصادرات الإسرائيلية للخارج والتي تعتبر محرك مهم للنمو في الاقتصاد الإسرائيلي , إضافة للسوق الاستهلاكي المهم والذي يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد وهي الأراضي الفلسطينية والتي تستحوذ على 10-8% من الشيكل المُصدر من البنك المركزي الإسرائيلي , تدهور الأوضاع الأمنية على حدود لبنان لاحقاً.
وفي الختام فإنه وفي ظل ارتفاع الدولار مقابل الشيكل ومع حالة الانكماش الاقتصادي التي تعانيه دول منطقة اليورو والتحسن الملحوظ في الاقتصاد الأمريكي و الاستقرار الجيو سياسي والتي شهدته الأزمة الأوكرانية فإن هناك تزايد الإقبال على الدولار بسبب الثقة بقرارات البنك الفدرالي الأمريكي فإن الدولار سيستمر صعوداً مقابل الشيكل خلال الأسابيع القادمة في ظل ارتفاع الأسعار في إسرائيل مع استمرار لحالة الركود الاقتصادي الناجمة عن تزايد المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية وكل ذلك سينعكس سلباً على أداء الشيكل وتراجعه مقابل الدولار الأمريكي .