صفحة سوداء ...والطريق للهلاك!!

بقلم: وفيق زنداح

ليس من منطلق التدخل في ارادة الشعوب وليس دفاعا عن نظم سياسية ولكن رؤية تحليلية لما يسمى بالربيع العربي وما جرى ويجري داخل الساحة العربية والتي تناولتها بمقالة قديمة بعنوان نخب متناحرة ... وشعوب مطحونة تم نشرها عبر العديد من المواقع الاخبارية الالكترونية منذ البدايات الأولى لما يسمى بالربيع العربي والتي كتبت في حينها أنها ليست بثورات بالمعنى المتعارف عليه للثورة وهذا ما تأكد لي الان بعد كل ما جرى والذي أكد على أنه تعبير عن حالة فوضى مخططة استغلت من بعض القوى الداخلية ذات الأجندات الخارجية استغلالا لظروف اقتصادية واجتماعية وفي اطار الحالة السياسية العامة في ظل تدني المستوى التعليمي والثقافي وضعف اليات الممارسة الديمقراطية وغياب بعض الحريات العامة والخاصة والذي أعطى المجال لبعض القوى ان تنتهز الفرصة السانحة للمطالبة بالمزيد من الديمقراطية وحقوق الانسان في اطار عناوين التغيير والسياسة المعلنة التي قادتها الولايات المتحدة انسجاما مع مخططاتها وما سعت اليه من ثورات ملونة في اطار الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في ظل أزمة الوعي والظروف الصعبة التي تعيشها بعض الشرائح الاجتماعية والشبابية والنخبوية والتي شكلت الشرارة الأولى التي تم استغلالها من بعض القوى المعارضة والنخب الفكرية السياسية والاعلامية ذات الاجندات الخارجية والتي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة واعلان رفضهم لديكتاتورية الأنظمة الشمولية .
شعارات براقة وجاذبة للشباب الرافض لواقعه والذي يستحسن سماعها ويصدق قولها دون ادراك لمخاطر ما يدبر وما يخطط له اذا لم يكن التغيير على أرضية المحافظة على الدولة ومؤسساتها وهيبتها وسلامة ووحدة أراضيها ستكون النتائج فوضى عارمة وتفتيت لوحدة الأرض والشعب وزرع لبذور الفتنة .
المشهد العربي وعلى كافة المستويات أفرز نتائج مخيفة ومدمرة بوجود تنظيمات ارهابية ذات ميول مذهبية ودينية تستهدف استقرار دول المنطقة وشعوبها وأمنها وقد كانت العراق البداية مرورا بسوريا وليبيا وتونس والسودان ولم يسلم من هذه المؤامرة الا مصر العربية التي حماها الله من مخطط كبير كان يستهدف قلب هذه الأمة على قاعدة ايماننا أن مصر القوية والامنة والمستقرة ستنعكس ايجابا على المنطقة العربية بأسرها .
صفحة سوداء مرت بتاريخ هذه الأمة نتيجة ما يسمى بالربيع العربي وما أحدثه من انقسامات وحروب داخلية وما أظهره من جماعات متطرفة ذات تمويلات خارجية لإحداث المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وضرب أسس الأمن القومي العربي تهيئة التدخلات الأجنبية وعودة للاستعمار القديم وبثوب جديد وباليات استعمارية ذات وجوه متعددة ووسائل مختلفة غير معهودة .
العراق وبداية الغزو غير المبرر والذرائع والحجج الواهية التي تم تسويقها ومن ثم اكتشاف عدم صحتها وما افرزه الاحتلال الامريكي للعراق من بيئة حاضنة لقوى التطرف والارهاب واشعال نار الفتنة الطائفية مما يثير العديد من التساؤلات... أليس العراق كان موحدا ومستقرا في ظل حكم الرئيس الراحل صدام حسين ؟ أليس الديمقراطية التي تم تسويقها مع الاحتلال الأمريكي قد أدت الى فوضى الاقتتال ما بين الطوائف ؟وأليس النظام الشمولي لا زال ينسجم مع واقع الثقافة العربية باعتبارها الأنسب من الديمقراطية الأمريكية الوهمية التي لم يتم بنائها على صعيد الانسان ولا المؤسسات ولا الدساتير ولا حتى النخب الفكرية والثقافية والاعلامية ؟
ليبيا وقد طحنتها الميلشيات المسلحة بعد ان تم دعمها من قوى التحالف لإسقاط حكم نظام الرئيس الراحل معمر القذافي لا زالت على حالها من الاشتباك الداخلي وكأن القذافي لم يكن المشكلة بقدر ما تكمن المعضلة في ميلشيات متعددة ذات توجهات مختلفة تريد كل منها ان تسيطر على منطقة جغرافية وعلى ابار بترولية مما يهدد وحدة الاراضي الليبية ويكون مانعا لتأسيس نظام سياسي يوحد ليبيا أرضا وشعبا ويعزز الأمن والاستقرار بداخلها .
تونس وقد كانت على وشك حرب اهلية الا ان حزب النهضة التابع للإخوان المسلمين قد أيقن خطورة الاستفراد والتفرد بالحكم واستخلص العبر من درس الاخوان في مصر فعمل على دستور وطني جامع يلبي مطالب كافة التونسيين مما فوت فرصة الصراع الداخلي بعد ما شهدته تونس من مظاهرات واغتيالات سياسية لبعض رموز المعارضة .
السودان وقد اراد ان يقسم نفسه قبل ان تصل له رياح الربيع العربي تنفيذا لما يخطط وحتى يتمركز الرئيس البشير بالشمال وتقوم دولة الجنوب وبهذا يكون السودان قد نفذ المخطط قبل أن تصل اليه رياح التغيير وحتى لا تتم محاسبة الرئيس السوداني البشير .
مصر العربية وقد كانت احداث 25 يناير وتسلسل ما جرى وما كشفت عنه الأيام من اتهامات ملفقة ودعاية سوداء وفضائيات متخصصة لإثارة القلاقل والمتاعب وعدم الاستقرار وزيادة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية وارباك الدولة واجهزتها الا ان الشعب المصري وقد كان حاسما وحازما بثورة 30 يونيو وتم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي وفق خارطة طريق المستقبل بعد الانتهاء من صياغة الدستور واجراء الانتخابات الرئاسية وقرب اجراء الانتخابات البرلمانية وما تشهده مصر من مشاريع استراتيجية واستثمارية ستعود بالفائدة على الشعب المصري ومعدلاته التنموية بما يحقق مستوى أفضل لمعدلات الدخل الفردي والقومي ومعالجة كافة القضايا والمشاكل المتراكمة وفق خطة اقتصادية تسير بخطى ثابتة .
سوريا وقد اصيبت في قلب جسدها من خلال ميلشيات متطرفة من جبهة النصرة داعش والقاعدة وما يسمى بالجيش الحر من أجل اسقاط الدولة وانهاء الجيش السوري تنفيذا لمخططات امريكية لا تخرج عن اطار الفوضى الخلاقة وتقسيم الدول الى دويلات طائفية .
حقا وكما يقال فالسياسة بلا اخلاق ... وليس هناك من خصومة دائمة ...كما ليس هناك صداقة دائمة... ولكن الشمس لا تغطى بغربال... فأمتنا العربية من المحيط الى الخليج العربي وقد تعرضت ولا زالت لمؤامرات داخلية وحروب طائفية ومن خلال قوى ارهابية تستهدف أمنها واستقرارها يتطلب تنسيقا أكبر وحشدا لكافة الطاقات والامكانات العربية بما يحقق أمن واستقرار دول المنطقة وعدم الغوص في مواجهات غير محسوبة تديرها الولايات المتحدة صانعة الارهاب بيد والتي تريد القضاء عليه باليد الأخرى من خلال أيادي غيرها واستفادة من خيرات هذه الأمة ...وهنا تكمن اهمية الحذر الشديد من سياسة صناعة الاعداء وارباك دول المنطقة وشعوبها بقوى هلامية لا يعرف عنها عمقا وقاعدة واضحة الا أنها عبارة عن بضعة الاف لا يعرف كيف تجمعوا والي أين يريدون الوصول ...لكنهم استغلوا لحظة الليل الدامس لخطف استقرار بعض الدول والتلاعب بجبهاتها الداخلية لرسم معالم طريق الهلاك ...وكتابة صفحة سوداء في تاريخ هذه الأمة المجيدة .
أمتنا العربية يجب أن تدرك مخاطر ما يحدق بها وتعزز اليات دفاعها وصحوتها النافذة القادرة على قراءة المشهد وعدم الانصياع للذرائع والاوهام والشعارات البراقة والتي تستهدف اولا واخيرا امتنا واستقرارها وخيراتها .. هذه هي الحقيقة حتى لا تستمر هذه الصفحة السوداء... وطريق الهلاك !!

الكاتب/
وفيق زنداح