بدا الرجل الاكثر هدوءا وربما اتزانا في حركة حماس د. موسى أبو مرزوق، "النائب الثاني" لرئيس المكتب السياسي ومسؤول ملف المصالحة فيها، أكثر مشاكسة في الاونة الأخيرة، ففي أقل من شهر بدر منه ثلاثة تصريحات/ افعال أثارت الكثير من النقاش وردود الفعل في الساحة الفلسطينية. أولى مشاكسته الرئيس محمود عباس في اجتماع الدوحة الاخير الذي جمع الرئيس وقيادة حماس بحضور الأمير القطري وفقا للمحضر المُسرب. والثانية تصريحه حول وصول أموال إلى خزينة السلطة الفلسطينية للبدء بالاعمار. أما الثالثة تصريحه الخاص بإمكانية المفاوضات المباشرة بين حركة حماس والحكومة الاسرائيلية و الغاء تحريمها.
يعزو البعض هذه التصريحات لأسباب متعددة منها؛ (1) ترتيب للأدوار في اطار قيادة حماس بحيث تُظهر رئيس المكتب السياسي أقل حدّه من اعضاء قيادة حماس الاخرين وأكثر اتزانا في اطار تفاهم داخلي. أو (2) أن د. موسى أبو مرزوق له "طموح شخصي" يعيد له قوته وحضوره في قيادة الحركة بعد الانتخابات التي كان مرشحا حينها لرئاسة المكتب السياسي، وبالتالي يَعْتَقدُ أنه يمكنه لعبِ دورٍ محوري في قيادة الحركة لوجوده في مصر والحظوة "رضا" لدى المؤسسة الرسمية فيها، ولديه قدرة على التحرك أكثر من اقرانه في المكتب السياسي لحركة حماس.
أما فيما يتعلق بتصريحه الخاص بان دولا، لم يُسمها، قد حولت أموالا الى خزينة الدولة لإعادة الاعمار فإنها تأتي في اطار تحميل المسؤولية للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة ومسألة الانفاق على قطاع غزة بما فيها الرواتب المتراكمة على الحكومة السابقة، وذلك لرفع المسؤولية عن حركة حماس ومشاركتها في دفع تكاليف اعادة الاعمار على الأقل بالمعنى المعنوي.
يعلم د. موسى أبو مرزوق في تصريحه الخاص بإمكانية التفاوض المباشر ما بين حركة حماس والحكومة الاسرائيلية ان ثمن هذه المفاوضات ستكون اكبر بكثير مما دفعته منظمة التحرير الفلسطينية، فلن تقف على التزام حركة حماس بشروط الرباعية بما فيها اعتراف حماس "كحزب سياسي" بحق اسرائيل بالوجود من جهة، بل ستخضع لابتزاز اسرائيلي على المسائل الانسانية من جهة ثانية خاصة في ظل الازمة الحالية "الكارثة الانسانية" في قطاع بعد العدوان الأخير. كما أن المفاوضات الاخيرة للوفد الموحد في القاهرة لم تخرج عن سياق وصيغة اتفاق اوسلو "المشؤوم" من جهة ثالثة.
ويدرك ايضا أن هذا التصريح يغضب أعضاء تنظيمه وقياداته خاصة الدعويين الذين بنوا تنظيرهم على عدم الاعتراف بإسرائيل سواء بشكل صريح أو ضمني. وأيضا يفهم ان مساحة المناورة لدى التنظيم الام "الاخوان المسلمين" في هذا الجانب ليست كبيرة وغير قادرة على اغضاب جماهير واسعة في الامتين العربية والإسلامية.
وأجزم أن د. موسى أبو مرزوق يعلم ويفهم ويدرك أن العالم الاعمى، الذي منح الحكومة الاسرائيلية واحدا وخمسين يوما لقتل الغزيين وتدمير منازلهم وتحويل حياتهم الى أكثر من كارثة، لن يكترث لو تحقق حلم اسحق رابين رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق "بأن يصحو من نومه ليجد البحر ابتلع غزة وما فيها"، وربما يتحقق هذا الامر بغرق سكان القطاع في رحلات الموت عبر البحر الأبيض المتوسط للبحث عن حياة كريمة، أو الهروب من الموت إلى الموت.
لذا اعتقد أن ما ذهب إليه د. أبو مرزوق هي محاولة ابتزاز لرئيس السلطة وحركة فتح اللتان تخشيان على مسألة التمثيل الفلسطيني والنفوذ والصلاحيات ليس أكثر، فهو يستخدم حالة النهوض في التأييد الشعبي لحركته بعد العدوان على قطاع غزة من جهة والمطالب الواسعة لدى الفلسطينيين في القطاع.
شخصيا لم أجد خطرا داهما من تصريح د. موسى أبو مرزوق من امكانية التفاوض المباشر على اعتبار ان هذا العمل هو تكرار لما قامت به منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح بل هو تأكيد على صوابية ما ذهبت اليه حركة فتح وقيادة منظمة التحرير قبل أكثر من ربع قرن بدءا من المفاوضات السرية في لندن مرورا بمحاورة الولايات المتحدة الامريكية في تونس عام 1989 "محادثات حكم – بليترو" وصولا الى اتفاق اوسلو. أي بمعنى آخر عقلنة العمل السياسي لحركة حماس، وتطور نوعي في الفكر السياسي للحركة احتاج نضوجه أكثر من ربع قرن على نشأة حركة حماس "1987 -2014" وهي نفس المدة تقريبا التي احتاجتها حركة فتح ومنظمة التحرير قبل ذلك "1965 – 1989. بل أن انخراط حماس في العملية السياسية قد يعيد التوازن للعملية السياسية، ويعدل من قواعد المفاوضات ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما تمنح وحدتهم قوة أكبر في عملية المواجهة السياسية .
لكن الخطر الاكبر باعتقادي عندما منح د. أبو مرزوق بعدا دينا وحكما شرعيا في مسألة التفاوض باعتبارها حلالا وغير محرمة، أي ما يطلق عليه استخدام الدين في السياسة والأغراض السياسية لتبرير عملٍ من أعمال السياسية والحكم. هذا الامر بالتأكيد يمنح أي حزب أو فصيل أو شخص متشدد تبرير تصرفاته باستخدام الدين والفتوى في الشؤون السياسية ما يفرض احكاما شرعية على آرائه ومواقفه، وتحريم مواقف الاخرين وتخوينهم وتكفيرهم وذلك وفقا لمصالحه الضيقة. كما أنه يشير الى عكس ما ذهبنا إليه سابقا "من عقلة ونضج سياسي" وان الحركة لم تتعلم حتى اليوم من التاريخ الاسلامي "الدولة الاسلامية" أن المسألة السياسية قائمة على المصالح؛ فكم من اتفاق عقده المسلمون مع جيرانهم وأعدائهم، وتبادل الرسل وحتى الهدايا. لكن الامر لم يكن يوما باستخدام الدين بل مراعاة لاحتياجاتهم أو درء المخاطر أو مصالح الدولة أو الحاكم وأحيانا العباد وربما الخمسة مجتمعة.
--
Jehad Harb
Researcher in governance & policy issues