تناقلت الصحف والمواقع الألكترونية والفضائيات وغيرها الكثير من تفاصيل غرق السفينة التي تقل المهاجرين ومعظمهم من فلسطيني قطاع غزة، وما تزال الكثير من تفاصيل هذه الكارثة مجهولة حتى الآن. ولكن مما لفت الانتباه ما أوردته بعض الصحف مثل صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن بأن ربما الكثير من ضحايا الكارثة قد قضوا نحبهم عطشى أو جوعى قبل الغرق بسبب عدم قيام الدول الأوروبية المطلة على موقع الكارثة في البحر بإرسال فرق إنقاذ فور علمها بما حدث، وأنها تركت الضحايا يواجهون حذفهم حتى النهاية. وأن العدد القليل مما تم إنقاذهم تم إنقاذهم مصادفة ومن خلال سفن عابرة. وهذا يبرز قمة اللاإنسانية في التعاطي مع ضحايا هذه الكارثة. فهؤلاء هربوا من واقع صعب في غزة، ومن دمار حرب أكلت الأخضر واليابس على مرأى من عالم لم يحرك ساكن لوقف آلة الحرب الصهيونية البربرية لمدة أحدى وخمسين يوماً. وبالرغم من موقفنا المبدئي الرافض للهجرة، ووجوب تعزيز الصمود على أرض الوطن ولكن هؤلاء الضحايا لم ينصفوا أحياء ولم ينصفوا وهم بين الحياة والموت، وللأسف الشديد لم ينصفوا أموات لأنه تركت حتى جثثهم طافية على سطح البحر دون حتى انتشالها. وكأنها تركت لتنهش من سمك البحر عبرة لمن يعتبر.
إن ما حدث مع السفينة هي وصمة عار على جبين الدول الأوروبية المطلة على البحر لاسيما أيطاليا، ووصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء. فهم ضحية بؤس استوطن وطنهم بسبب مشروع صهيوني إحلالي قضى على واقع وأحلام شعب بالعيش حياة كريمة. وطريقة موتهم وحيثياتها هي مؤشر على بربرية الإنسان حتى لو ادعى أنه ابيض ومتحضر. وهذا يدفعنا إلى القول والافتراض أن هذه السفينة لو كانت محملة بالحيوانات مثل الكلاب هل كنا سنشاهد سيناريو أخر لانتشال جثث الضحايا. يذكرني ذلك بالعديد من المتسولين والمشردين في أوروبا التي عشت وتجولت جزء ليس يسير من عمري يصطحبون معهم عند التسول كلبهم لأنه يثير شفقة المارة أكثر من أجل منحهم قطع صغيرة من النقود. فالحيوان هو من يثير شفقة الإنسان وليس الإنسان لأخيه الإنسان. وشاهدت وسمعت كيف يعامل الكلب باحترام هناك. كيف يعامل كواحد من أفراد الأسرة بل قد يكون الأهم على اعتبار أن أفراد الأسرة يتفككون تحت فلسفة الفردية الأوروبية بينما يبقى الكلب هو رفيق الدرب. وشاهدت الحيز الذي تشغله أغذية الحيوانات الأليفة في المحلات الضخمة والفخمة لبيع المواد الغذائية. وكذلك ما يوجد من صالون للحلاقة وغيرها، وحتى الأدوات من مسكن لها في جنينة المنازل، وداخل الشقق. وأدوات للعب والتزين وغيرها. كما شاهدت العيادات الطبية المخصصة لها. وكيف أن بعض العائلات تسافر بكلابها وحيواناتها الأليفة الأخرى للخارج لعلاجها وإجراء الفحوصات والعمليات الجراحية في المراكز العلاجية المتخصصة. كذلك ما يتوفر للكلاب من فنادق بدرجاتها المختلفة لمن يسافر من العائلات أو لمن يذهب إلى عمله، ويوفر لكلبه الملجأ والمرافقة طيلة فترة العمل. هذا يعني أن الكلاب تتلقى معاملة وحياة معيشية هناك لا يتوفر منها الحد الأدنى لكثير من شعوب العالم في معيشتهم وترحالهم.
واستذكر كيف أنني نشرت على صفحتي في الفيس بوك في اليوم الثالث للحرب الأخيرة على غزة خبر مقتل كلب جاري بشظية نتيجة قصف منزل مجاور لنا. وناشدت العالم وخاطبته للتدخل لإنقاذ الحيوانات في غزة من بربرية آلة الحرب الإسرائيلية بعد أن شاهدت صمته على مقتل البشر. فلعل مقتل الحيوانات يثير فيه الشفقة أكثر من مقتل البشر. ويبدو أنني وبالرغم من رفضي للهجرة من قبل شبابنا أتوجه بالنصح لهم أن يصحب كل مهاجر كلب معه أثناء محاولة الهجرة لعل الكلب وليس هو من يثير شفقة الرجل الأبيض المتحضر لإنقاذه من الغرق. فحتى النساء والأطفال المهاجرة لم تثر شفقتهم.