الليكود بعد غزة

بقلم: علي بدوان

يعيش حزب الليكود في «إسرائيل» أزماته الأخيرة التي تتصاعد مع سيل الاتهامات الموجهة لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بشأن نتائج العملية العسكرية الأخيرة التي جرت ضد قطاع غزة. فحصاد العملية العسكرية الواسعة على مستوييها العسكري والسياسي، لم يكن بالمبتغى الذي أراده الزارع «الإسرائيلي» من أقطاب قوى اليمين واليمين المتطرف المؤتلفة في الحكومة، وحتى من خارج إطار الحكومة في صفوف المعارضة التي أيدت العملية العسكرية ضد قطاع غزة.

ومن أولى دلالات الأزمة المُشار اليها داخل حزب الليكود، وجود حالة من التململ والتذمر داخل الحزب، وحتى داخل الإئتلاف الحاكم. فحزب الليكود الذي يقود الإئتلاف الحاكم في الدولة العبرية الصهيونية يواجه الآن مرحلة صعبة مع قيام وزير الداخلية اليميني المتطرف (جدعون ساعر) بإعلان استقالته من الحكومة، واعتزاله الحياة السياسية لفترة معينة. وقد أثارت الاستقالة إياها علامات استفهام كبيرة على مستقبل حكومة بنيامين نتانياهو الإئتلافية الحالية، خصوصاً مع تزايد الخلافات بين مكوناتها الحزبية داخل الإئتلاف.

وتأتي الهزة الأخيرة داخل حزب الليكود بإقدام الوزير (جدعون ساعر) على تقديم استقالته وهو الوزير المحسوب على عتاولة حزب الليكود وصقوره، بعد هزات ارتجاجية سبقتها طوال السنوات الماضية، وقد خسر خلالها حزب الليكود كتلة هامة من قاعدته في المجتمع «الإسرائيلي»، خصوصاً من اليهود الشرقيين (السفارديم) الذين كانوا على الدوام القاعدة الانتخابية العريضة لحزب الليكود في مواجهة اليهود الغربيين الذين كانوا يُمثلون القاعدة العريضة الانتخابية لحزب العمل «الإسرائيلي» وأحزاب ما يُسمى باليسار الصهيوني.

لقد بات حزب الليكود يخسر مع مرور الوقت مكانته وبشكلٍ متزايد، وفوق ذلك خسارته لعددٍ من أبرز شخصياته السياسية الذين أصبحوا خارج إطار الحزب، ومنهم من كان يطلق عليهم مُسمى «أمراء الليكود»، وعلى رأسهم «دان ميريدور» و«بني بيغين» وغيرهما من سلالة أبناء ورجالات القيادات التاريخية المؤسسة لهذا الحزب، والذين تأتوا من رحم الحزب الأم لحزب الليكود (حزب حيروت).

لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو تعبيرات استقالة الوزير (جدعون ساعر) في هذه الفترة بالذات، والتي تؤشر لوجود قصور وسوء تقدير للموقف عند نتانياهو ومجلس وزرائه المصغر قبل عملية العدوان الأخير على القطاع أولاً. ولوجود أزمة سياسية كبيرة داخل الحزب الحاكم في «إسرائيل» ثانياً. ولوجود مشكلة بنيوية تنظيمية داخل حزب الليكود وداخل هيئاته ثالثاً. ولوجود مُنغصات كبيرة داخل الإئتلاف الحاكم رابعاً، حيث المناكفات اليومية بين نتانياهو والشريك الإئتلافي الرئيسي أفيغدور ليبرمان زعيم حزب (إسرائيل بيتنا).

لقد بات حزب الليكود في نظر الكثيرين من «الإسرائيليين» والليكوديين حزباً طارداً وليس حزباً جامعاً كما كان في فترات صعوده وتألقه داخل المجتمع «الإسرائيلي» الصهيوني في مواجهة حزب العمل (حزب المابام)، حيث أمست تتسع فيه كل يوم ظاهرة تعدد المنابر والتيارات المُختلفة، وهو الحزب الذي يُمثل الصف العريض للقوى اليمينية في الوسط الإستعماري اليهودي على أرض فلسطين، حيث تَجنح الأغلبية فيه نحو «اليمين القومي الفاشي الصهيوني» مع طغيان إتجاه التقارب مع أحزاب اليمين التوراتي والصراع بين إتجاهات صقرية واتجاهات أكثر صقرية على يمينها.

لقد تعرض حزب الليكود لمجموعة من الانشقاقات الداخلية منذ سنوات عدة، وخرج من بين صفوفه العشرات من قادة العسكر والأمن ورجالات السياسة، وكانت كلها انشقاقات باتجاهات اليمين الأكثر صقرية، ولم يكن منها أي انشقاق نحو اتجاهات أقل تطرفاً بالنسبة للموضوع السياسي المُتعلق بالعملية السياسية التفاوضية مع العرب والفلسطينيين، وهو ما يؤكد المضمون الأيديولوجي اليميني الفاشي الذي يُشكل المبنى العام لحزب الليكود باعتباره حزب اليمين المُتطرف في «إسرائيل» بامتياز، ووريث العُمق التاريخي للمتطرف فلاديمير جابتونسكي الذي كان الأب الروحي لمؤسس حزب حيروت (الحرية) ومن ثم حزب الليكود مناحيم بيغن.

ومن جانب آخر، إن لبروز وتفاقم ظاهرة التيارات والمنابر داخل عموم الأحزاب «الإسرائيلية» والتقديرات التي تشير إلى إمكانية اتساعها لاحقاً جملة من الأسباب الخارجية والداخلية، أولها السبب السياسي المُتعلق بقصور الأحزاب وعموم الأنتلجنسيا «الإسرائيلية» عن تقديم الإجابات المتعلقة بشأن الأسئلة المطروحة على المجتمع «الإسرائيلي» والدولة العبرية بشكل عام.

وثانيها، وجود جدلٍ عام في القضايا التي تُعتبر أساسية من وجهة نظر الوسط اليهودي كــ (مُستقبل الدولة العبرية، والمفاوضات مع الفلسطينيين ومصير العملية السياسية المتوقفة معهم، والعلاقات مع الدول العربية، وموضوع الملف النووي الإيراني...) وهو الجدل الذي مازال مُستعراً دون حسم ودون توصل لنقاط تقاطع بين مكونات الخريطة الحزبية في «إسرائيل» وحتى داخل الحزب الواحد، وهو ما ساعد ويساعد على نشوء ظاهرة تعدد المنابر والانقسامات داخل الحزب الواحد.

وثالثها، الأسباب المتعلقة بالعوامل الداخلية «الإسرائيلية»، حيث نمو ظاهرة العودة إلى الجذور الإثنية والقومية، خاصة عند اليهود الجدد الذين قدموا للإستيطان والإستعمار في فلسطين خلال العقد الأخير من القرن الماضي من جمهوريات ودول الاتحاد السوفياتي السابق وعددهم يفوق المليون ونصف المليون نسمة، فهم يُمثلون الهجرة الإستيطانية الأكبر في تاريخ الحركة الصهيونية والدولة العبرية.

ورابعها، إتساع الهوة الطبقية بين قطاعات اليهود في «إسرائيل»، بين الفقراء والأغنياء، بين القاعدة العريضة اليهودية السفاردية الشرقية التي تُشكل قاعدة الأحزاب وبنية الجيش البشرية التحتية (أداة إسرائيل المقاتلة) وبين الفئات اليهودية الإشكنازية الغربية التي يُمثّل أفرادها أبناء الست مقابل أبناء الجارية من يهود السفارديم. إن تلك الهوة تزداد بين الشرقيين والغربيين، بين الفقراء والأغنياء، وهي تدفع بدورها بإتجاه خلق الكتل والمحاور والمنابر والصراعات داخل عموم الأحزاب في «إسرائيل».

قصارى القول، إن إستقالة الوزير الليكودي جدعون ساعر من الحكومة «الإسرائيلية»، وإعتزاله الحياة السياسية، جعل عضويته في الكنيست (البرلمان) «الإسرائيلي» شاغرة، ما يلزم بإشغالها. ولأن حزب الليكود دخل الإنتخابات الأخيرة في تحالف مع حزب (إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيغدور ليبرمان، فإن الشخص الذي يحل مكانه هو عضو كنيست من حزب (إسرائيل بيتنا). والأهم هو أن خسارة حزب الليكود لعضو كنيست تعني أن الحزب الحاكم لم يعد الحزب الأكبر في الحلبة السياسية «الإسرائيلية» بل الحزب الثاني بعد حزب (هناك مستقبل) بزعامة يائير لبيد، المحسوب على القوى الليبرالية في المجتمع «الإسرائيلي» والتي لالون ولاطعم ولا رائحة لها.

صحيفة الوطن القطرية

بقلم علي بدوان

الثلاثاء 23/9/2014