فصل جديد من المعركة في مواجهة الارهاب

بقلم: عباس الجمعة

امام العربدة الأميركية المتجددة بتبني خطابها العدواني ضد سوريا من خلال حملة مزعومة ضد الإرهاب الذي تكفلت برعايته ودعمه واحتضانه وقامت باستحضاره إلى سوريا بتنسيق مع حكومات تركيا والسعودية وقطر التي لا تزال حتى اليوم توفر الإمداد المالي واللوجستي والرعاية السياسية والإعلامية للعصابات الإرهابية.
إن التغاضي الأميركي الوقح عن أفعال تلك الحكومات يصب في تأكيد حقيقة أن حملة أوباما ترمي إلى ضبط الإرهاب والحد من خروجه على السيطرة لمواصلة استعماله وتوظيفه بالتنسيق مع الموساد "الإسرائيلي" الذي يؤدي راهناً على جبهتي الجولان وشبعا والعرقوب قسطه باحتضان فلول النصرة وداعش وكتائب ما سمي الجيش الحر التي تتبع تعليمات المشغل القطري ولا يزال الرئيس الأميركي يدعوها بالمعارضة المسلحة المعتدلة على رغم طابعها التكفيري والإرهابي في الشكل والمضمون حيث يسعى الى تمويلها وتسليحها .
وازاء ما ارتكبته داعش من جرائم وفظائع بالقتل والتدمير والتخريب والتهجير للسكان،وحيث أصبح من الممكن في حالة عدم ضبط إيقاعات داعش والسيطرة عليها ان يرتد ارهابها الى حواضنها ودفيئاتها الأساسية في الخليج،وكذلك ان ينتقل ارهابها إلى العواصم الأوروبية،ولذلك وجدنا بأن هناك قرارا امريكياً وخليجياً تركياً بتقليم اظافر "داعش" في العراق" ونزع اللحى والعمائم عنها في سوريا،لكي تصبح معارضة مقبولة تتولى عملية التفاوض من اجل السيطرة على الحكم هناك، تعود امريكا للمواجهة مباشرة من اجل ضرب النظام السوري لتحقيق إختراق جدي لصالح مشروعها،فكذبة الحرب على "داعش" مكشوفة واضحة،فمن يريد محاربة "داعش" يوقف ويقطع كل شريان ومقومات بقائها ووجودها وقوتها من الرياض والدوحة مروراً بانقرة وواشنطن وتل ابيب،تجفيف منابعها ومصادرها المالية ووقف تسليحها وإغلاق الحدود التركية من جهة سوريا والعراق ،ولكن "داعش" لها دور في سياق المشروع الأمريكي،فامريكا تريد ان تتخذ من حربها المزعومة على "داعش" ذريعة لكي تقوم بضرب قوى المقاومة والصمود في المنطقة وفي مقدمة هذه القور سوريا ، من اجل تحقيق اهدافها المقررة والمعدة سلفاً،تقسيم وتفكيك وإعادة تركيب جغرافية المنطقة من العراق الى سوريا فلبنان فالأردن وحتى مصر والسعودية وإدخال المنطقة في صراعات مذهبية، بتشجيع عصابات الارهاب المتطرفة في الوطن العربي لتحتل حيزا مهما في الفضاء السياسي العربي، وإدخال المنطقة بحروب أهلية ومذهبية تستهدف تفتيت وتفكيك الوطن العربي تمهيدا لإعلان شرق أوسط جديد، أو سايكس بيكو جديد.
وما نشهده في هذه الأيام من إقامة أوسع تحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لمواجهة الحركات المتطرفة، مستفيدين من الجرائم البشعة التي ارتكبتها العصابات الارهابية المتطرفة بحق المواطنين في سوريا والعراق ولبنان وبحق الجيش اللبناني وجنوده الابطال المختطفين من قتل وقطع الرؤوس والجلد وسبي النساء، فالخطوة الأمريكية ليست بريئة وهي تحمل في طياتها مواصلة المشروع الأمريكي للوصول لاعادة تشكيل الأقطار العربية وفق مصالح الاحتكارات الرأسمالية، وتدمير ما تبقى من البنية الأساسية في الدول التي كانت مؤهلة لمواجهة المشروع الصهيوني، وتأكيدا لذلك الإعلان عن تشكيل هذا التحالف خارج إطار الأمم المتحدة، وبقرار من حلف الناتو، واستبعاد كل من روسيا وإيران وسوريا في التحالف.
وامام ما يتعرض له لبنان من هجمة ارهابية كان الموقف الفلسطيني الموحد لتأمين امن المخيمات، وتشكيل القوة الامنية المشتركة في مخيم عين الحلوة ، ولسنا بحاجة للتذكير بالمسيرة النضالية للمقاومة والعلاقات الاخوية اللبنانية الفلسطينية، والموقف اللبناني بأن القضية الفلسطينية ستبقى محور الصراع العربي – الاسرائيلي، طالما ان هناك شعباً لم ينل حقوقه المشروعة، وهذا الموقف سؤكد بأن الشعب الفلسطيني سيبقى الى جانب لبنان وجيشه رغم غياب ونسيان الانظمة العربية، والضمير العالمي لحق عودة الشعب الفلسطيني الى دياره، هذا الشعب العظيم يتطلع الى الحفاظ على الاستقرار والسلام في ربوع لبنان، وان دماء شهداء الجيش والمقاومة في مواجهة القوى الارهابية تحمل أكاليل الغار والنصر حتى تشرق شمس الحرية .
إن تخلي منظمة الأمم المتحدة عن القيام بدورها هو أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى حالة الفوضى والإرهاب والقتل والدمار ضد شعوب العالم لا سيما شعوب منطقتنا، وإلى اختلال موازين الاستقرار والأمن والسلم الدولي، بل إن هذا التخلي طالت نتائجه الكارثية المنظمة الدولية نفسها فتحولت إلى مجرد ديكور، وصار مسؤولوها عبارة عن موظفين لدى بعض القوى المتحكمة فيها، فأطاحت بسمعتها وهيبتها، وفقدت مكانتها لدى الشعوب ، خاصة بعد أن تعرضت للخطف من قبل أعضاء دائمين في مجلس أمنها، ومحاولتهم تحويلها إلى مجرد هيئة تشريعية تابعة لهم لا وظيفة لها سوى شرعنة مشاريعهم ومغامراتهم ونزواتهم وحماقاتهم المخالفة لشريعتها وقانونها، أو تعطيل دورها في أضيق الظروف.
أن منظمات الأمم المتحدة وفي ظل ما تشهده منطقتنا من إرهاب صهيو ـ استعماري ضد شعوبها كافة أضحت جزء من حماة الإرهاب والمدافعين عنه، وقد بدا ذلك واضحا من خلال عنصر الانتقائية في صياغة التقارير الخاصة بحقوق الإنسان والجرائم المرتكبة بحق شعوب المنطقة من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل المجموعات الإرهابية التي تدعمها القوى الاستعمارية ، حيث نرى دائما تقارير المنظمة الدولية المعنية بتحقيق الأمن والسلم الدوليين ومناصرة الشعوب ، مساوتها بين الجلاد والضحية، كما هو حال المساواة بين الجلاد كيان الاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية الجبارة والمدمرة للبشر والحجر والشجر وبين الضحية الشعب الفلسطينيالذي يوجه الاحتلال والاستيطان والعدوان والدمار الإسرائيلي بعزيمة لا تلين وبتضحيات جبارة ، كما يجري في سوريا الصمود والعراق وليبيا ولبنان ومصر من جرائم من قبل المجموعات الارهابية الداعشية المدعومة من قبل أعضاء في مجلس أمنها بينما تصمد سوريا في مواجهة الارهاب وادواته الذين يسعون الى إدخال المنطقة في صراعات مذهبية
ان احتواء الفشل في استراتيجية الحرب على سوريا بقناع مكافحة الإرهاب والجمع بين الحرب على داعش واستمرار حرب الاستنزاف ضد سوريا من خلال عصابات الارهاب التي تعتزم إدارة اوباما تدريب المزيد منها في المملكة السعودية وتحاول تمكينها من السيطرة على جزء من الجغرافية السورية لمساومة دمشق والضغط عليها تحت ستار الحل السياسي ، وما يدلل على النفاق الأميركي الاستعماري في محاربة إرهاب داعش وتجاوز المنظمات الدولية تطبيق القرار الدولي 2170 الذي يدعو إلى تجفيف منابع تمويل التنظيمين الإرهابيين داعش والنصرة وفرض عقوبات على الدول الداعمة لهما، الأمر الذي يفضح النيات العدوانية المبيتة للولايات المتحدة الأميركية تجاه المنطقة وشعوبه ، ونهب خيرات المنطقة من خلال أموال الدول النفطية في المنطقة أي العراق والخليج عبر استخدام الحرب على داعش كموسم زاخر بالصفقات المربحة لمبيعات السلاح والتكنولوجيا ولعقود التدريب والمستشارين والخبراء وهذا استثمار اميركي تقليدي بالحروب المتنقلة منذ اكثر من نصف قرن وواهم من يصدق فرضية سعي الولايات المتحدة للاستقرار في أي بقعة من العالم ، فالتاريخ المعاصر يكذب هذه الفرضية الخادعة، فالحروب والأزمات هي البيئة المفضلة لتثبيت النفوذ الأميركي وهذا ما اعترفت به سنوات، اعترفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، بأن أمريكا هي من صنعت تنظيم "القاعدة" ، وهنا يبقى السؤال هل ستقوم أمريكا بعد حربها على العراق، "الأكذوبة" ومحاولاتها تفتيت الوطن العربي، وذبح مواطنيها، من خلال السعى إلى كسب أوراق جديدة، تخلط فيها كلّ السيناريوهات لتخرج بآخرج جديد، لعله يعطيها وحلفاءها ما لم يستطيعوا تحصيله على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة مضت بفضل صمود قزى المقاومة وحرصها على التنبيه إلى ضرورة السعي حثيثا إلى مكافحة الإرهاب ودقّها ناقوس الخطر مرارا.
ما تقوم به واشنطن من تضليل ومراوغة في سياستها تجاه المنطقة وإمعانها في بث الفوضى وخلق الحروب المباشرة وبالوكالة ليس مستغربا لأن تاريخها وسجلها حافل بالحروب التي شنت على الشعوب تحت ذرائع تبين فيما بعد أنها كذبة كبيرة وباعتراف المسؤولين الأميركيين الذين اختلقوا هذه الذرائع، ومن ثمّ فإن سعيها الدؤوب من أجل تشكيل حلف دولي شيطاني من أتباعها وعملائها بحجة مكافحة إرهاب داعش يجب ألا يكون مفاجئا للقوى المحبة للسلام والتي يجب عليها أن تتحمل مسؤوليتها في أخذ الحذر والتصدي للمشروع التآمري الجديد الذي يستهدف أمن واستقرار المنطقة ، وتقسيمها الى كيانات ضعيفة متناحرة تبرر وجود "اسرائيل" كدولة يهودية عبر القضاء على كل حضارة المنطقة التاريخية وتقويض انتصارات شعبنا في المقاومة ، ما يعني أننا أمام فصل جديد من المعركة في مواجهة الارهاب وهذا يستدعي الاسراع بتشكيل حلف حقيقي يضم كل دول العالم وقواه المحبة للسلام ولاسيما سوريا والعراق وإيران وروسيا الذين أبدوا استعدادهم لمحاربة الإرهاب بشكل عام في المنطقة.‏
ان الهجمة الارهابية الاجرامية ضد الجيش والشعب البناني وبهذا الحجم الكبير حملة مشينة مدفوعة الاجر كاملا ، وهذا يتطلب وحدة الموقف بمواجهة هذه القوى الارهابية المتسألمة ، فشهداء الجيش اللبناني يكتبون بدمائهم الحقيقية الساطعة حيث يصبون جهودهم في ارض المعركة ، ولكن التاريخ لا يرحم ولن يرحم كل من يقف خلف هؤلاء الارهابين القتلة، والشعوب لا تنسى ولن تنسى، وستشق طريقها في هذا الاتون الملتهب لتصنع غدها المشرق وارادتها الحرة بعزيمة لا تقهر وارادة لا تلين.
ختاما: يبقى هناك وسام شرف يعلق على صدور كافة شهداء الجيش اللبناني والسوري والمقاوميين الابطال ، ونقول أصبح من الضروري إعادة قراءة التاريخ الديني ورفع الحصانة عن المتطرفين وإسقاط القدسية عنهم، فالتاريخ في النهاية هو محصلة النشاط والسلوك البشري، والبناء على الأفعال الصحيحة وتطويرها.
كاتب سياسي