المفاوضات واقع ومأمول

بقلم: سامي الأخرس

من الصعب قراءة أيديولوجيا التفاوض أو تكتيكات السياسة الصهيونية التفاوضية في ظلّ حالة الشدّ والجذب التي عليها واقعنا العربي عامة، والفلسطيني خاصة، كذلك من مكامن الخطورة الكبرى عدم الاستفادة من الحالة التاريخية والخبرات التراكمية في عملية التفاوض وحدودها الاستراتيجية والتكتيكية في مواجهة السياسة المقابلة، بل جل ما تم الاستفادة منه هو تأليف كتاب " الحياة مفاوضات" للدكتور صائب عريقات، والذي لم يحقق أكثر من مكتسبات تأليفية ومادية للمؤلف، في حين القارئ العربي إن أجهد نفسه بالقراءة فهو بناء على اسم وصيت المؤلف الذي قاد عملية التفاوض منذ لا يقل عن تسعة عشر عامًا متواصلة، سبقها أعوام وعقود طويلة مع الدول العربية منها مصر التي وقعت معاهدة كامب ديفيد 1978، ومعاهدة السلام 1979 ومنذ التوقيع حتى راهن اللحظة وسيناء خارج حدود السيطرة الأمنية والتنموية نتيجة هذه المعاهدة، وكذلك افاقية وادي عربة مع الأردن، واعلان المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1994، والتي لم تتقدم خطوة واحدة للأمام، بل تتراجع للخلف در من عام لآخر، ولم تعد تشكل السلطة الوطنية أكثر من عاملين ماليين لتسير أموال الدول المانحة فقط، وكبح جماح المعارضة المسلحة في مناطق سيطرتها.

هذا الواقع ليس خفي على المُحللين أو السياسيين أو عامة الشعب لافلسطيني، بل أصبح هناك استدراك للعقلية الصهيونية، وإن حاول البعض عمدًا نفي ذلك أو التقفز عنه، والتأكيد على حتمية وضرورة سياسة " النفس الطويل" مع الاحتلال في عملية الدفه التفاوضي واستمراريته، يقابله الرأي الآخر الذي يُصر على " رفض التفاوض" دوم أن يُقدم البدائل العملية والواقعية، أو يَطرح ماهية الحلول الرئيسية التي يمكن الاستعواض بها مع وقف التفاوض.

في خِضم حالة التنافر الرئيسية مع انعدام أفق التوقع لحلول واستراتيجيات طويلة الأمد، كانت غزة على موعد مع حرب جديدة عام 2014 أي الحالة التي لا زلنا في أتونها، وتجلياتها، حيث أكدت المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب على جملة من المواقف المفصلية التي تمنح غزة الحياة بَعد حصار دام مستمر منذ ثمانية سنوات، ووجدت هذه المواقف اجماع وطني فصائلي، وحاضنة شعبية دعمت وحَفزت المقاومة رغم شراسة العدوان، وهمجية القتل والتدمير، إلّا أن حجم الضغوطات الإقليمية والدولية والمحلية، دفع حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة على الجلوس على طاولة المفاوضات برعاية " مصرية" واستمرار ماراثون الأيام التفاوضية " لت وعجن" بين الوفد والراعي من جهة ثانية، وثالثة بين الوفد والتصلف الصهيوني، خرج بنتيجة وحيدة تثبيت تهدئة مقابل وعودات شفوية فقط، لم يتحقق منها حتى راهن اللّحظة أي وعد، بل زادت وتيرة

حصار غزة، وزاد ألم غزة المنكوبة، والتي لم يتم اعداد أي خطة طوارئ لها، أو الإعلان عنها كمنطقة منكوبة، ولا يوجد أي مؤشرات للدفع للأمام حتى الآن، كل ما هو مطروح ومتوقع، ماراثون تفاوضي متذبذب بين الشدّ والجذب ينتهي بلا جديد، سوى طرح آليات وصياغات للبحث والتفاوض، وبكل الأحوال الخروج بيدين " خالية الوفاض" وأيدي عارية لن توقع أي تفاهمان، مع منح مساحة واسعة للأمم المتحدة بوضع آليات وأسس لل‘مار، واسكان من هُدمت بيوتهم، وتعويض من دُمرت أراضيهم الزراعية، واعمار من تضررت منازلهم جزئيًا، والتسكين المجتمعي من خلال تدفق المساعدات العينية والمادية على لمنكوبين وفقراء الشعب في غزة... والتوقف عند حدود التوافق فيما بعد على صلاحيات حكومة التوافق الفلسطيني التي لن تُقدم مستوى التوقعات لشعبنا الفلسطيني، لأن حالتنا الفلسطينية .... شئنا أم أبينا وهي رهينة الحالة الإقليمية المأزومة في المنطقة عامة.... " أي المسألة من سياسية لإنسانية".

الخلاصة أن المقاومة الفلسطينية بصبغتها الحزبية انتقلت من مستوى المواجهة المسلحة إلى مستوى المواجهة السياسية التفاوضية، وهي تُدرك إنّها لن تحصد في المدى القريب أكثر من اعادة هيكلة للحصار من خلال حصار أكثر ترتيب، ووجه حسن من خلال الأمم المتحدة، يَضمن بحدوده الدنيا اعادة الإعمار، وبحدوده العليا تأمين مستوطنات حزام " غلاف غزة" الصهيونية، واستمرار رحلة السياحة التفاوضية، والخض في الأمور الإنسانية، والحجيج السياسي إلى القاهرة مع استبعاد صيغة الوفد الموسع واقتصارها على ثلاث فصائل " فتح، حماس، الجهاد" إلى أن يَشن الكيان الصهيوني " حرب جديدة" على غزة، للبدء من جديد في الإعداد لملف ومرحلة مطلبية أخرى من سلسلة بنك المطالب الفلسطيني الذي لم يتغير على رصيده شيء منذ 1994، ولم يتحقق منه أي شيء أيضًا، في ظل حالة اللاوعي الوطني الذي تعيشه قوانا الفصائلية والحزبية في النّظام السياسي الفلسطيني.

فلن تتمخض مفاوضات القاهرة عن أي نتائج فعلية أو واقعية في ظلّ عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية على فرض حلول نهائية على الكيان الصهيوني، وكذلك في ظلّ أولوياتها في المنطقة التي تعيش أزمة تلو أزمة، وأيضًا في ظلّ عدم وجود قيادة صهيونية راغبة في تأسيس حلول شاملة ونهائية مع الفلسطينيين بعدما استطاعت تحييد " مصر، الأردن، لبنان، سوريا" دول الطوق العربي، وععدم وجود حسم فلسطيني نهائي فيما يتعلق بالمفاوضات ... وعامل أخر عدم قدرة الجوار " مصر خاصة" على قبول حركة حماس في المعادلة السياسية بما أنها جزء من حركة الأخوان المسلمين المصنفة كجماعة ارهابية في العرف السياسي المصري، أي المتوقع " فاوض لأجل أن تفاوض" وهي رغبة تلاقت بها كل الأطراف بما فيها فتح وحماس.

د. سامي الأخرس

23 سبتمبر " أيلول" 2014