تقول العقيدة والإستراتيجية الصهيونية تاريخياً، بأن أرض فلسطين الانتدابية، ملك بلا منازع للشعب اليهودي، متذرعين بما جاء في كتاب "التوراة" المحرفة، وأن طروحاتهم وما يعملون من أجله إنما لحل الصراع مع الفلسطينيين، بإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وقد عُرض هذا المشروع على الرئيس الراحل "أبو عمار" فرفضه، كما عُرض عليه مرة أخرى أثناء حصاره في المقاطعة برام الله، فرفضه أيضاً، أما ما يتعلق بالضفة الغربية، فهناك طرحان إسرائيليان، ما بين إقامة حكم ذاتي محدود للفلسطينيين تكون مرجعيته إسرائيل، وبين أن يكون للأردن دور في إدارة الضفة الغربية، ودون سيادة لأحد عليها، فقد أمضينا عشرات السنوات في الجدل مع الإسرائيليين، وبتحميلهم الفلسطينيين مسؤولية رفضهم لقرار التقسيم، لكنه أصبح واضحاً بأن هذا الزعم لا يعدو أحد حججهم للاستيلاء على جميع الأراضي الفلسطينية، وهذا مثبت فيما ينشر من وثائق من الأرشيف الصهيوني، وإذا كانت حجتهم برفض الفلسطينيين لقرار التقسيم، فلماذا يعملون كل ما في وسعهم للاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، التي كانت مخصصة في الأساس للدولة الفلسطينية حسب قرار التقسيم، كذلك الجدل خلال عشرات السنوات الماضية، عن قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم، وعلى من تقع مسؤوليتهم، فالدلائل بالوثائق وحتى من الأرشيف الصهيوني، إضافة إلى قرارات الشرعية الدولية، بتحميل إسرائيل المسؤولية، فإن الأدلة الجديدة، بمواصلة إسرائيل ما تقوم به بعد حرب عام 1967 وحتى اليوم، بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وطردهم من أراضيهم ووطنهم وقراهم، من الأرض المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية، مما يؤكد على أن إسرائيل والحركة الصهيونية، تتحملان مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين، السابقين والحاليين، والتهرب من القرارات الأممية بإقامة دولة فلسطين.
إن الرغبة الإسرائيلية للتخلص من الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية، بتحميل مصر المسؤولية عن قطاع غزة، والأردن المسؤولية عن الضفة الغربية، أي إلى الوضع الذي كان سائداً قبل حرب 1967، غير أن كل من مصر والأردن رفضا ذلك، لكن لإسرائيل بدائل كثيرة، ومن هذه البدائل ما تسرب عام (2000) عن خطة، وضعها الجنرال الاحتياط "غيورا آيلاند"-الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي- ومما نصته هذه الخطة: أن تنقل مصر إلى قطاع غزة، مناطق من سيناء بمساحة (720) كيلومتر مربع، على طول (24) كيلومتراً على طول شاطئ البحر المتوسط مع رفح غرباً حتى العريش، وبعرض (20) كيلومتراً داخل سيناء، إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوباً، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر وذلك لمضاعفة مساحة قطاع غزة البالغ حالياً (360) كيلومتراً مربعاً إلى ثلاثة أضعاف، ومقابل هذه الزيادة لأراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية، لتشمل الكتل الاستيطانية الكبيرة، وغلاف مدينة القدس الشرقية، لضمهما لإسرائيل، ومقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر لتوسيع قطاع غزة، ستحصل مصر من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب، توازي مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها مصر، وأن إسرائيل ستمنح مصر ارتباطاً برياً حراً، بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما بطول (10) كيلومترات، على بعد (5) كيلومترات من إيلات، تكون خاضعة للسيادة المصرية.
ومع أن مشروع "آيلاند" صمم منذ عام (2000) إلا أن الجهات السياسية والإعلامية انشغلت بهذا المشروع من جديد في هذه الأيام، فإذاعة الجيش تروج له، كذلك الدوائر السياسية والإعلامية الإسرائيلية، مع أن هذا المشروع، أعلن عنه لأول مرة قبل (14) عاماً، يتجدد الحديث عنه حالياً، ما بين التأكيد والنفي، وكما يقول المثل لا دخان بلا نار، فقد نوقش هذا المشروع في مؤتمر هرتسيليا للسياسات متعددة الجوانب، وكان محور النقاش بأنه ليس على إسرائيل وحدها أن "تقدم" الأراضي المطلوبة لإنشاء الدولة الفلسطينية، بل أن على كل من مصر والأردن صاحبتا الاحتياط الضخم من الأرض، أن تسهما بنصيبهما، مضيفين بأن جزءاً كبيراً من مشاكل الأرض والسكان الفلسطينيين، نشأ بسبب حربهما عامي 1948 و 1967 للقضاء على الدولة اليهودية، ولدر العواطف، هناك من قال في مؤتمر هرتسيليا، أليست مصر والأردن أختين للفلسطينيين في الدين والأصل والقومية؟
صحيفة "يديعوت احرونوت 17/9/2013"، نقلت عن جريدة اليوم السابع المصرية، بأن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وقبل ستة شهور من إنتهاء حكمه، رفض طلباً لرئيس الحكومة الإسرائيلية "نتنياهو"، لتوطين سكان قطاع غزة في سيناء، وكان رد مبارك عليه حسب المصدر: إنس هذا الأمر، إلا إذا كنت تريد الحرب، وكان "نتنياهو" حسب المصدر، يحمل خارطة جاء فيها:"أدي حدودنا وأدي حدود القطاع، بعد توسعتها في سيناء".
في إسرائيل جدل واسع حول حل القضية الفلسطينية، ما بين دولة واحدة لشعبين، الذي يلقى معارضة إسرائيلية واسعة، وبين الانفصال الذي يرغب به معظم الإسرائيليين، لكن الجدل والخلاف على الخطوط الجغرافية بين الجانبين، فإسرائيل تعمل للسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية، مع أقل عدد من السكان الفلسطينيين، ورغم النفي من قبل الرئيس المصري والفلسطيني، بإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وتوسيعها داخل أراضي سيناء، وحسب الرئيس الفلسطيني فقد نفى ما نسب إلى الرئيس "السيسي" بضم أراضي من سيناء إلى غزة، بأن هذه الفكرة لم تطرح أبداً، ولكن فكرة شبيهة طرحت في فترة حكم الرئيس المخلوع "محمد مرسي"، ففي خطاب الرئيس "محمود عباس"، أمام المجلس المركزي الفلسطيني بتاريخ "27/4/2014"، تطرق إلى لقاء سابق مع الرئيس"محمد مرسي"، الذي طرح إقامة دولة فلسطينية مستقلة في القطاع، وتوسيعها بـ (1600) كيلومتر مربع من سيناء، وحكم ذاتي في الضفة الغربية، وقال له "عباس" أن هذه سياسة متبعة منذ وعد بلفور وحتى اليوم، مضيفاً في خطابه أمام مركزية فتح بأن المصالحة والوحدة الفلسطينية، كسرت هذا الشعار، وقلنا أن فلسطين واحدة، وحسب قول الرئيس سأل الرئيس "مرسي" عن هذا المشروع، وكان رده من أجل إخواننا في غزة، أجابه عباس: هذا المشروع غير وطني ينهي الحل الوطني، ويرمي غزة في وجه مصر، وقال "مرسي" ماذا يعني هذا؟ كم عدد سكان قطاع غزة؟ أجابه "عباس" يزيد عن مليوني نسمة، قال مرسي: والقول لـ "عباس" نضعهم في "شبرا" ونحضر لهم وجبات ساخنة، فأجابه عباس: أن "آيلاند" هو الذي أعد هذا المشروع، وبدأت الكرفانات تدخل إلى سيناء، وأن المشروع كان في طريقه للتنفيذ، ولكن لا دامت لهذا، ولا دامت لذاك حسب قول "عباس".
ومع أننا لا نؤكد، ولا ننفي صحة المصادر التي نعتمد عليها، فقد ذكر موقع نظرة عليا الإسرائيلي الإلكتروني بتاريخ "11/2/2014"، بأن جماعة الإخوان المسلمين أخذت في التخطيط مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لتوسيع قطاع غزة، على حساب أراضي سيناء، لإقامة الدولة الفلسطينية عليها، وأن التصريحات التي أدلى بها "موسى أبو مرزوق" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للتفاوض مع إسرائيل، تصب في هذا الاتجاه، وأن إسرائيل سترقص طرباً للتخلص من أعباء غزة، وتثبيت الانفصال عن الضفة الغربية، لينتهي حل إقامة دولة فلسطينية موحدة أو حل ما يسمى بالدولتين، وحسب جريدة "الدستور الأردنية 19/8/2014"، فقد نفى "إسماعيل هنية" نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، أن "محمد مرسي" عقد صفقة للتنازل عن مناطق في سيناء لصالح إقامة الدولة الفلسطينية، كذلك رفض الرئيس "عباس" إعادة توطين اللاجئين في مساحات كبيرة من أراضي سيناء، ليتم ضمهم إلى قطاع غزة، وأن مسؤولاً مصرياً رفيعاً حسب "عباس" لم يذكر أسمه، توجه إليه، واقترح توطين الفلسطينيين في (1600) كيلومتر مربع، المتاخمة لقطاع غزة، لإحياء مشروع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق "غيورا آيلاند"،وحسب "عباس"، فإن الفكرة اقترحت لأول مرة عام 1956 على الحكومة المصرية، التي رفضتها بشراسة، لتصبح غزة الدولة الفلسطينية، في حين تبقى الضفة الغربية تحت حكم ذاتي فقط.
لقد جاء دور اللعب بالعواطف، بأن مصر التي تبلغ مساحتها أكثر من مليون كيلومتر مربع، أكثرها غير مأهولة، من منطق أن تمنح للفلسطينيين الذين يعيشون في زحام، أكثر المناطق اكتظاظاً في العالم منحهم مساحة أرض رمزية، وميناء عميق بالعريش، وترميم مطار "ايتام" الذي تركته إسرائيل لدى انسحابها من سيناء عام 1982، وتطوير قطاع غزة الموسع، وتصنيعه بمساعدات دولية، لكن يبقى السؤال: لماذا مثل هذه الخطط، التي تشجعها إسرائيل؟ إنها كي تكون بديلاً لانسحابها إلى حدود عام 1967؟ فإن الجدل والمشاريع العديدة لحل القضية الفلسطينية قد تجاوز الستة عقود، فإنه من الطبيعي، وإن كان هناك شيء من الصحة في هذه الطروحات، فإن الشعب الفلسطيني بمجمله، رغم مخاضه العسير الذي يتعرض له، فإنه مصر على تجسيد حقوقه الوطنية، وإقامة دولته المستقلة، على أرضه الذي لا يقبل عنها بديلاً، وأخيراً.... إننا لا نشكك في رغبة إسرائيل والصهيونية الأميركية، في العمل على تطبيق هذا المشروع، لكن هل نستطيع المراهنة على رفض العرب له؟