المشهد ...والسيناريوهات المفتوحة.

بقلم: وفيق زنداح

بات من الواضح أن المشهد الفلسطيني أصبح مفتوحا علي كافة السيناريوهات والاحتمالات في ظل تعقيدات وتشابك المشهد والذي لا يخرج عن اطار المشهد الاقليمي الذي بات يعاني من ارهاب منظم.. وفي ظل متغيرات متسارعة ..ووفق مصالح بعض الاطراف الاقليمية والدولية التي لا زالت تعمل من أجل تخريب المشهد ..واحداث ما يعكر صفو العلاقات ..ومدي قدرة الاقليم علي مواجهه التطرف والارهاب وفق منظومة سياسية وأمنية واعلامية .
فلسطينيا.. لا زال المشهد يتراجع برغم التحرك السياسي الذي يقوم به الرئيس عباس والذي يهدف الى تحديد سقف زمني وعدم ترك الأبواب مفتوحة لمفاوضات غير مجدية طال انتظار نتائجها وفي واقع استيطان مستمر.. وعدوان دائم ..يعيد المشهد الفلسطيني الى الوراء ولسنوات طويلة ..الرئيس عباس يريد أن يكسر الجمود واذابة الجليد لعل وعسي أن يتمكن من الخروج من اطار الهيمنة الامريكية علي ملف المفاوضات وأن يضع اسرائيل أمام المجتمع الدولي كدولة محتلة لدولة أخري لتأكيد مدي التعارض بين ما يمارس إسرائيليا وأمريكيا ..وبين المواثيق والقوانين الدولية ومؤسساتها .
اختبار المجتمع الدولي وجدية توجهاته ومدي التزاماته بالأمن والسلام الدولي اصبح أمام المحك فإما أن يكون هناك اقرارا والتزاما بالمؤسسات الدولية وقوانينها ...واما فتح المجال للمزيد من الفوضى والتطرف والارهاب والذي يهدد الجميع دون استثناء .
من هنا كانت داعش وظهورها وما صاحبها من ضجيج اعلامي يفوق قوتها وقدرتها ويعيدنا بالذاكرة الى تنظيم القاعدة الذي أخذ مساحه اعلامية فاقت قدراته الحقيقية وهذا ما يوضح ويدلل أن هناك شيئا ما يتم تنفيذه وتخطيطه لصناعة عدو جديد وخوف مصطنع لمجتمعات ودول لازالت تلملم أحوالها وحتي تزيد من ارتباطها بالمشروع الامريكي وبالتالي تغليب خيار الفوضى بأكثر مما يتم عمله لتعزيز هيبه المؤسسات والقوانين الدولية واحداث خلل فاضح بمعادلة السياسة الدولية والعلاقات بين الدول والتي بأغلبها غير قادرة لحسم مواقفها .
من هنا المشهد الفلسطيني يأتي في ذات الاطار ودون أن يدري في حالة الانقسام وقد باتت ثقافة الواقع السياسي الداخلي... فلا حماس تريد أن تتنازل الا بمقدار ما تحققه من مكاسب ....ولا فتح تقبل بالتنازل عن قيادة استمرت لعقود طويلة ومشروع وطني لا زال علي طريق التحقيق.
من هنا باتت الأمور أكثر وضوحا فإما المناصفة.... واما حرق الكعكة ...حتي يتم صناعة غيرها ولا أحد يعرف محتواها ومن الذي سيقوم بصناعتها ...في ظل أطياف سياسية لا زالت علي حالها من السكون والصمت انتظارا لنتيجة غير معلومه... وحتي يتم تحديد طبيعة الاصطفاف . وقد تناسي الجميع أن الخسارة قد وصلت الى الذروة وامتدت والتفت حول اعناقنا ولم يعد أحد خارج اطار الخسارة المكتوبة بفعل أفعالنا وحتي ولو كانت بإرادة غيرنا فإننا شركاء الخسارة مع اننا تمنينا ونادينا بأهمية أن نكون شركاء النجاح وتحقيق الأهداف .
الأزمة الفلسطينية طالت الجميع حماس وفتح والسلطة والرئيس والقضية وكل يريد أن يحقق أقل الخسائر ويحمل الأخر مسئولية الخسارة حتي أن القطار قد توقف والجميع غارق بحسابات الربح والخسارة وكل يشد بالأخر من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه وحتي لا يغرق أحد في دوامه البحر . وحتي لا يغرق أحد ..كان الحوار للإنقاذ وادارة الانقسام ...وليس العمل علي ايجاد الحلول الشافية ,الوافية ,الواضحة لإنهاء هذا الانقسام ..حماس واضحة وتريد رواتب موظفيها وأن يتم الاعمار حتي لا تتحمل مسئولية ما جري وحتي تكون الفرصة مهيئه لانتخابات قادمة تري فيها أنها الأقوى لكسب الجولة وحصد أغلبيه الاصوات .....وفتح تصارع الوقت وتريد أن تعمر ما دمر...كما أنها تريد أن تبني دولة وان تستمر في التزاماتها ومسئولياتها اتجاه القطاع وبهذا تكون قد نفذت الجزء الاكبر من مشروعها اذا ما تحققت الدولة من خلال الجهود الذي تبذل حاليا وهذا ما سوف يعطيها المجال لكسب وحصد الأصوات بعكس ما تعتقد حماس أى أننا أمام سياسة شد الحبال ...حبل حماس الممسك بالقطاع وعدم امكانية تحقيق دولة الا بموافقتها علي وجود السلطة الوطنية لأن الدولة اذا ما تمت وحتي في ظل السلطة الوطنية ستجعل من حماس شريكة حكم أكثر منها قوة مقاومة وبطبيعة الحال حركة فتح ستكون الشريك الأخر ومستمرة بالحكم وحتى ولو تعدد الشركاء فلا مانع ولا اعاقه بقدر ما سيكون اندماجا للمواقف في اطار الموقف الرسمي لمنظمة التحرير وللسلطة ولحركة فتح .
مصالح فتح وحماس ...هم الاقرب من أي وقت مضي... حماس حتي تؤمن نفسها ودورها وشراكتها تري في فتح الشريك الأفضل ..وفتح تري في حماس الشريك الأهم لإزاله العوائق والمشاكل الكثيرة التي يمكن أن تواجهه السلطة أو الدولة للعديد من الملفات .
حماس تري في وضعها الداخلي الفلسطيني الأقوى من الوضع الذي الت اليه حركة الاخوان بالمنطقة... وبالتالي ستري حماس نفسها ومن مصلحتها أن تتجه للداخل الفلسطيني حيث قوتها الأفضل والأقدر علي المشاركة والفعل وربما قيادتها ستفضل أن تكون من قيادات الداخل حتي تؤمن طريقها وحتي لا تعرض نفسها لما ألت اليه حركات الاخوان بالمنطقة فلا يمكن تصور شريك حكم محاصر ..وشريك حكم تفتح له الأبواب ...فالأمر لا يستقيم... ولكن تبقي الكرة في ملعب حماس .
اليسار الفلسطيني بأزمه لا يعرف أين أعتاب الفكرة التي يريد الوقوف عليها ..ولا حتي صياغه الموقف النهائي ..لأنه لا يريد أن يكون في خانة حماس ايدلوجيا وحتي سياسيا ...ولا يريد ان يستمر بهذا الحال مع حركة فتح حتي ولو كان الاقل خسارة مما سوف يكون عليه في خانة حماس .
التيار الاخر للإسلام السياسي حركة الجهاد وهي أكثر اتزان وعقلانية وفهم لطبيعة المرحلة ومعادلة السياسة الداخلية والإقليمية والدولية فهي لا تفصح كثيرا ولا تقوم بحملات اعلامية ولا تدخل في سوق المناكفات والمزايدات تريد أن تكسب الجميع علي الساحة الفلسطينية لكن علي شرط عدم خسارتها لنفسها واستقلاليه مشروعها ...تحظي بالاحترام لمواقفها الوحدوية وعدم قبولها بلعبة السياسة والحكم ...وقبولها بالشراكة السياسية في الوقت الراهن علي الاقل ..فالجهاد الاسلامي يري في حركة حماس شريك بخيار المقاومة ...ولكن ليس شريكا بمربع السياسة والتطلع للحكم .
من هنا فالمشهد الفلسطيني يفرض العديد من التساؤلات هل حماس قادرة علي الاستمرار بحكم غزة وتحمل ما يعاني منه القطاع دون أن تتقدم لإنهاء الانقسام ؟ وهل أزمات غزة كالإعمار والرواتب وتدني مستوي المعيشة وقله الخدمات والبطالة والحصار ودمار المنازل وتشريد الالاف تستطيع حماس تحملهم في ظل استمرار الانقسام ؟وهل حركة فتح صاحبه المشروع والقاعدة الجماهرية الأكبر تقبل باستمرار الانقسام ودون التقدم لإنهائه في ظل ما يعانيه ما يقارب 2 مليون فلسطيني ؟وهل حركة فتح يمكن أن تقبل أن تستمر علي حالها وأن لا تتقدم برزمه مصالحة مع حركة حماس حتي تخفف معاناه شعبنا بالقطاع ؟والى أي مدي يمكن أن يقال حول نجاحات قد تحققت علي صعيد السياسة الدولية وفي ظل تحرك الرئيس محمود عباس في ظل أزمه الانقسام التي لا زالت طاغيه علي المشهد الفلسطيني؟
وفي ذاك السياق ومضمون المشهد الى متى ستبقى فصائل العمل الوطني والاسلامي صامته ومتفرجة ومنتظرة للنتيجة النهائية لحوار الحركتين ؟والى أي مدي يمكن أن تمتلك حركة حماس استقلاليه قرارها بفك ارتباطها الخارجي مع التنظيم الدولي للإخوان بما فيه مصلحتها ومصلحة الشعب الفلسطيني بأكمله ؟.
كما وان تفاصيل المشهد تؤدي الي طرح التساؤل حول مدي قدرة الرئيس عباس علي تخطئ الهيمنة الامريكية لملف التسوية ومحاولة تدويل القضية ووضعها امام المؤسسات الدولية لإيجاد الحل المناسب وفق القوانين والمواثيق التي قامت عليها تلك المؤسسات ؟.
بالمجمل هناك أزمة عميقه وشاملة لا يمكن لأحد أن يتهرب منها أو يحمل الأخر مسئوليتها حتي ولو كنا نقر أن المسئوليات بدرجات متفاوتة .
المشهد الفلسطيني يقابله ويتقاطع معه مشهد عربي لا زال يعاني من حالة عدم الاستقرار نتيجة لإرهاب منظم...ومؤامرة مخططه.. وفوضي مدروسة ...من أجل زعزعه استقرار نظام الدولة ومؤسساتها.. والعبث بالأمن القومي العربي ...ومواجهه الارهاب المصدر للمنطقة بعد ربيع المؤامرة .. والفوضى الخلاقة الامريكية التي أثارت المزيد من التوتر والفتن الطائفية والخلافات السياسية .
أمريكا وبعض الدول الاوروبية لا زالت تمسك بزمام أمور السياسة الدولية وتتحرك بما يخدم مصالحها في ظل ازدواجيه المعايير التي تحكم مواقفها وفي واقع أطماعهما التي لا تعرف الحدود واستخداماتها لبعض دول الاقليم بما يحقق أهدافها وأغراضها وهذا ما نلمسه بالدور التركي والقطري وقناتهما المتفرغة لإشعال النيران في الثلوج ...وفي رمال الصحراء... حتي بات المشهد واضحا... والسيناريوهات مفتوحة... لكافة الاحتمالات والخيارات.
الكاتب : وفيق زنداح