قطر وتركيا.. وسفينة الأوهام!!

بقلم: وفيق زنداح

اعتزازنا بفلسطينيتنا وقوميتنا رغم سوء أحوالنا وعلى تراجعنا المستمر... رغم اننا نمتلك من مقومات القوة والتاريخ والثقافة والامكانيات ما يجعلنا أفضل بكثير مما نحن عليه ... هذا الاعتزاز أدخلنا بثقافة احترام الجميع وشكرهم على ما يقدمون ... الا ان هذا لا يقف عائقا أمام الحديث وتسليط الضوء على حقيقة المواقف وعدم تمريرها دون سؤال وتحليل... حتى تبدو صورة المشهد أكثر وضوحا ...رغم الوضوح الكبير... الذي يتجلى في موقف هاتين الدولتين وأخص مواقفهم السياسية وأهدافها وأبعادها والتي تلتقي مع مفهوم الفوضى الخلاقة الأمريكية ومشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير والذي يهدف الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ واثارة الفتن والحروب الداخلية وانهاء أنظمة الدولة بالعديد من الدول العربية .

لا يصح ولا تستقيم الأمور... وحتى لا نقبل أن يقدم لنا أو لغيرنا ...فتاة الخير بيد ... وأن يقدم باليد الأخرى السم القاتل ... فلسنا نحن أو غيرنا من العرب هواة سياسة ...ولا نفرق بين الخط الأسود والأبيض ... ولا يتحكم بنا الجهل وعدم القراءة والفهم لمجريات تاريخ طويل وخارطة علاقات تحكم مجموعة المصالح التي تلتقي وتتقاطع في ظل عالم متغير ... لا تحكمه أخلاقيات وانما لا زالت المصالح السائدة هي التي تحكم المواقف والأدوار .

شعبنا الفلسطيني والذي ينتظر الدعم والاسناد من القريب والبعيد لا يتنكر لأي مواقف ايجابية تصدر من هذه الدولة أو تلك ...الا أن هذا لا يعفينا من مسؤولية قومية تفرض علينا أن نقول كلمة الحق دون خوف أو وجل وحتى لو كان الثمن كبيرا ... لأن فاتورة الكرامة لا يقابلها مال ولا سلطان ولا أمير... فما بالنا بقطر البلد الصغير بتعداده السكاني القليل وبإمكانياته النفطية الكبيرة وماله الوفير وعلى أرضه أكبر قواعد أمريكا بالمنطقة وبطبيعة نظامه السياسي القائم على العائلة التي تتوارث الحكم بعيدا عن الممارسة الديمقراطية التي صدعتنا بها قطر وكأن ما يحركها ويحدد موقفها حرصها على الديمقراطية وارادة الشعوب وهذا بعكس الحقيقة... ويعطي دلالات ومؤشرات عن دولة صغيرة ذات طموح سياسي كبير ورغبة بنفوذ واسع للتحكم بالآخرين... مع أنها لا تمتلك أدوات هذا الطموح... ولا حتى مقومات وقدرات اتساع النفوذ وبالتالي فهي دولة صغيرة ... اذا... لماذا هذا الدور الاقليمي الذي تريده والذي يتعدى حدود امكانياتها و قدراتها ؟؟! والسؤال الاخر يحتاج لإجابة واضحة وشافية... هل قطر الدولة الصغيرة تلبس قميص الدولة الكبيرة وتأخذ مكانها ودورها وتمتلك أدواتها حتى لا يفضح امر مستور ؟! دولة صغيرة تطلق عبر قناتها حرصها على الديمقراطية كما حرصها على أمن وسلام المنطقة والعالم وحتى لا يغضب منها دول الجوار بينما الأفعال بعكس الأقوال ؟!

أصبح كل شئ جائز وممكن في عالم السياسة والمصالح ... فهل يعقل لدولة صغيرة بحجم قطر وبداخلها أكبر قاعدة أمريكية بالمنطقة أن تكون الداعم الرئيسي للتيارات المتشددة في بعض الدول وتمولهم بالسلاح والمال ؟! وكيف يمكن فهم الدعم القطري لتيارات الاسلام السياسي في ظل اتهامهم بالإرهاب من قبل الادارة الامريكية ؟!وهل هذا يعني أن قطر يسمح لها أن تمول الارهاب ؟! وهل أصبح تمويل الارهاب واثارة الفتن والاقتتال الداخلي داخل بعض الدول العربية مشروعا ومقبولا بالسياسة القطرية المدعومة من أمريكا ؟!

تناقض واضح وفاضح فلا أمريكا واضحة في سياستها... ولا قطر واضحة بما تقوم به... مما يثير السؤال والذي يحمل جزءا من الاجابة هل أصبحت قطر مسموح لها تنفيذ مخططات الفوضى الأمريكية ومشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير مقابل حريتها المطلقة في دعم من تراه مناسبا وبما يعزز من مكانتها ودورها كما تعتقد ؟! ولماذا قطر تحديدا من تقوم بهذا الدور الاستراتيجي للسياسة الأمريكية ؟ أسئلة عديدة وذات أبعاد استراتيجية تحتاج الى المراكز البحثية والدراسات الاستراتيجية لتحديد حقيقة الموقف القطري ومدى الاجابات التي ستعطي المزيد من التوضيح لما الت اليه هذه الدولة من مواقف وسياسات أثار حولها العديد من التساؤلات والى حد الاتهامات .

التساؤلات السابق ذكرها حول طبيعة الدور القطري بالمنطقة ومدى ارتباطه بالمواقف التركية حيث نجد التصاقا وانسجاما وتطابقا تركيا قطريا بالعديد من الملفات داخل المنطقة العربية والتي تهدف بمعظمها الى زيادة عوامل التوتر واثارة الفتن الطائفية والعرقية وتخريب منظومة الدول ومؤسساتها وما ينعكس بالسلب على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للعديد من شعوب المنطقة .

وعند الحديث عن الدور التركي فهل هناك طلاق تركي قطري لإيران ؟ كما حال الطلاق التركي القطري للعرب ؟ وهل المحلل يقف على أعتاب الأبواب ليعيد العلاقات ما بين فترة وأخرى ما بين هاتين الدولتين وايران وغيرها من بعض دول المنطقة ؟

تركيا دولة من دول الاقليم علاقتها بالمنطقة العربية علاقة تاريخية منذ العهد العثماني ومدى الويلات والكوارث على شعوب المنطقة وللتذكير علينا كفلسطينيين أن لا ننسى وعد بلفور البريطاني الذي أعطى الحق لمن لا يستحق وأحل باليهود بديلا عن أصحاب الأرض كما واتفاقية سايكس بيكو والتي قسمت المنطقة العربية ما بين الاحتلالين البريطاني والفرنسي وحتى ايطاليا وسيطرتها على ليبيا في ظل العهد العثماني والأستانة والسلطان .

تركيا العثمانية وبعد أن خربت ما خربت ... أدارت الظهر للمنطقة العربية ... طمعا لقبولها في دول الغرب وعلى اعتبار أن تكون دولة اسلامية ضمن منظومة الدول الغربية وحتى حلف الأطلسي رأس حربة الامبريالية والاستعمار القديم والجديد... وحتى تهرب الى الأمام من تخلف المنطقة العربية ومشاكلها رأت بالتقدم الى الغرب والاحتواء بداخله طموحا سياسيا واقتصاديا .

لا زالت تركيا بكل القواعد التي تتواجد على أرضها وبكل المناورات التي تجريها تدفع فاتورة تركيا المستقبل اتجاه الغرب وحتى الانضمام للحلف الأطلسي... ولكن يبدو ان كل ما تم لا يلبي الشروط الغربية الأمريكية وعليه يجب أن تكون هناك مشاركة تركية فاعلة في تنفيذ مخطط الفوضى الامريكية والشرق الاوسط الجديد والكبير واثارة النزعات والفتن واشعال الحروب داخل الدول وهذا ما تم بالعراق وسوريا وليبيا وغيرها ... بينما تركيا تقف مانعا وتستخدم القوة العسكرية ضد أكرادها وحتى ضد الأرمن في اطار المسموح التركي والمقبول امريكيا وغربيا بينما الدور التركي القطري المشترك الاستمرار بتغذية الحروب الداخلية بالعراق وسوريا وليبيا... تناقض واضح مما يثير العديد من التساؤلات هل تركيا تطمع بقيادة الاقليم بمساعدة أمريكية نتيجة جهودها التي قامت بها ؟ وهل قيادة الاقليم بمثابة جواز سفر للقبول بحلف الاطلسي ؟ وهل العلاقات التركية الاسرائيلية والمناورات المشتركة احد فواتير الانضمام للحلف ؟ وهل تغذية بؤر التوتر والمساعدة بالسلاح والمال فاتورة اضافية تدفع لذات الحساب لتخريب دول المنطقة ؟ وهل تركيا وصلت الى الدرجة التي تريد فيها قيادة المنطقة بديلا عن القيادة التاريخية لهذه الأمة ومحاولة هز عرش قيادتها وادخالها في اتون مشاكلها الداخلية حتى يفسح المجال لتركيا للتربع على قمة الاقليم ومن خلال المساعدة الأمريكية وتنفيذ مخططاتها ؟ وهل مسموح لتركيا وقطر أن يتدخلوا أصلا بالشأن المصري والعربي؟

تركيا وقطر وقد التقوا على مذبح المنطقة وتنفيذ المشروع الأمريكي فهل سينجحون ؟

كل ما سبق من تساؤلات يحتاج الى الكثير من التحليل والمعلومات الدقيقة والتي لا يمتلكها كاتب المقال ... ولكنني أود الاختصار أن تركيا وقطر لن ينجحوا ... لانهم يخالفون التاريخ أولا والواقع ثانيا ... والمقومات والقدرات العربية ثالثا... والوعي العربي خاصة بعد احداث ربيع الفوضى الخلاقة... ولأن المؤامرة قد تم كشفها والامساك بخيوطها ... مما يسهل مواجهتها وافشالها... وعلى اعتبار ان امريكا لا تقف عند نقطة التحالف التكتيكي على حساب التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل ... ولكن لا يضر المصالح الامريكية بعض الأدوار مثال تركيا وقطر لإحداث المزيد من التفتت وعدم الاستقرار وبناء الدويلات والامارات والتي يسهل التهامها في الوقت والزمن المناسب بالنسبة لأمريكا .

نأمل من قطر البلد العربي أن تبقى في حضن أمتها العربية... كما نأمل من تركيا كدولة اقليمية واسلامية أن تبقى في اطار الاقليم لتعزيز روابط العلاقات مع امتنا العربية ... وبالضرورة يجب على أمتنا العربية أن يكون لها استراتيجيتها حتى تستطيع مواجهة استراتيجيات ومؤامرات الاخرين... وحتى لا تذوب باختلاق المشاكل بداخلها ... وحتى لا تكون كالملح بالطعام وتؤكل على موائد !! وحتى لا تستطيع سفينة الأوهام... أن ترسو على شاطئ الخراب ...وحتى يصحو من عالم كوابيس الأحلام .