في مشهد نادر لم يحدث إلا عند الهجوم على العراق بعد اجتياح الكويت، حلقت طائرات عسكرية لمجموعة من الدول العربية، إلى جانب طائرات من سلاح الجو الأمريكي وغيره من أسلحة الجو الغربية التي تشكل التحالف الدولي ضد الإرهاب.
هذا المشهد، ليس سوى واحد من عديد الأدلة، على أن العرب ليس لديهم خطط أو أهداف واستراتيجيات، ويثبت أن حكومات هذه الدول، ليس إلا مجرد "براغي" في ماكينة السياسة والقرار والخطط والأهداف التي ترسمها "سيدة" العالم.
وهو مشهد يؤكد على اننا ليس فقط أمة مستهلكة للمنتجات الاستهلاكية الأمريكية وغيرها، لا بل، امة وصلت من التبعية والمهانة والمذلة، إلى أدنى درجات "العهر" السياسي، وفقدت كل مقومات الكرامة.
هذا الخطاب ليس لأننا ندافع عن داعش، بقدر ما يؤكد ان أمريكا والغرب هم من يصنع الأشياء، كل الأشياء، ليس فقط الاستهلاكية، بما في ذلك السياسية، وما علينا كعرب سوى استهلاكها بغض النظر عن مدى تأثيرها على حاضر ومستقبل الأمة.
الولايات المتحدة ومعها الغرب الكافر "ليس بالمعنى الديني" صنعت الكذبة، واختلقت داعش وما تشكله من أخطار ليس على العرب فقط، لا بل وعلى العالم، ونحن ابتلعنا الكذبة، وأسعدنا ان نهضمها.
أميركا استطاعت تسويق الخطر، وروجت لإرهاب الإسلام وخاصة الفرع السني منه، وطالبت دول العربان من السنة، ان يبيضوا صفحتهم من خلال ليس فقط المشاركة في الحرب العالمية على الإرهاب، لا بل ستدفع الأمة كما فعلت سابقا ثمن الحرب الطويلة على العراق وغزوه واحتلاله، ستدفع ثمن هذه الحرب الكاذبة.
داعش، هذه "الخرافة" التي أرعبت العالم، أو أُريد لها ان ترعب العالم، هي تماما كما قيل ان العراق سيقضي على عواصم عالمية خلال 45 دقيقة من انطلاق أي حرب، وتسابق العرب لذبح العراق وشعبه وما يمثله من ذخر استراتيجي للأمة.
أيعقل ان، الدواعش، الذين وبحسب تقديرات أمريكا، لا يزيد عددهم عن 31500 "مقاتل"، يشكلون كل هذا الخطر على العالم، هل من المعقول ان يتمكن هؤلاء ان يسيطروا على بلدان المنطقة ومن ثم لينطلقوا منها لتخريب على العالم.
ما حققته داعش من انتصارات في العراق وسوريا، وسيطرتها على تلك المسافات الشاسعة، لم يكن بسبب ما يقال عن بطش وقوة داعش، بقدر ما هو بسبب الضعف المهين للقوات التي هاجمتها داعش.
في العراق كيف لجندي لا يصل أبدا لمعسكره، "لأنه يدفع رشوة لقائده"، التصدي لداعشي مقبل على الموت، كيف لجيش بلا عقيدة قتالية أو وطنية ينخره الفساد، تحقيق النصر والصمود أمام من يعتقد انه بموته سيذهب إلى الجنة.
التحالف الدولي يدرك تماما انه لا يمكن فرض السيطرة على الأرض من خلال الغارات والضربات الجوية ان لم يكن مصحوبا بوجود قوات على الأرض، وكان واضحا من التصريحات الأمريكية ان المطلوب هو 15000 مقاتل"من المعارضة السورية" من اجل التصدي لداعش على الأرض، أي ان حطب المحرقة لا بد ان يكون عربيا، لأن الغرب وخاصة أمريكا لن تغامر بإرسال ولو جندي واحد لمقاتلة داعش على الأرض، بعد ما تمرغ وجهها في وحل العراق.
ألم يسأل أحد من قادة العرب كم يستغرق إعداد هؤلاء، وكم يلزم من وقت لإعدادهم، إذن هي حرب طويلة قد تستغرق سنوات، ثم لماذا الافتراض ان هؤلاء " سيأتون بالذئب من ذيله" ، ألم تدرب أمريكا عشرات الآلاف من العراقيين في الأردن وسواها، الم يخسر العراق المليارات على تدريب الجيش العراقي "الجديد"، وماذا كانت النتيجة؟ هروب في أول مواجهة مع داعش.
الحرب على الإرهاب عنوان المرحلة، وهو محاولة وقحة من الإدارة الأمريكية بشكل خاص من اجل جعل الدولة الصهيونية، دولة طبيعية في المنطقة، دولة صديقة وربما شقيقة يتوقف التعامل معها على إنها دولة في محيط معاد، وكانت تصريحات المجرم نتانياهو، واضحة وضوح الشمس في هذا الإطار، حيث تحدث عن علاقات مستقبلية على أسس جديدة وعن تحالفات قد تنشأ مع الدول العربية.
ما يحدث هو محاولة خبيثة لتغيير الأولويات، بحيث يصبح الكيان الصهيوني في آخر قائمة الأخطار في المنطقة، ما يعني تراجع قضية فلسطين وتصبح نسيا منسيا، ويتم التعامي عن الاحتلال وما ارتكب من جرائم وما زال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
الهجمات التي تتم في الأراضي السورية تستهدف البنية التحتية ومراكز للدولة، ولا يستبعد حصول تطورات غير مفاجأة قد تقود إلى ما هو أسوأ من ذلك، ولا ضمانات ان الحلف لن يقصف العاصمة دمشق وسواها من المدن من اجل التدمير فقط.
الحلف العالمي ضد الإرهاب، حلف مشبوه لا بد من التعاطي معه بحذر شديد، خاصة في ظل الحديث الذي كثر مؤخرا عن إمكانية استمرار هذه الحرب لسنوات عدة، وعلى العرب إعادة حساباتهم كما وإعادة النظر في مجمل الأهداف المعلنة وغير المعلنة من هذه الحرب.