المواطنون في غزة يشعرون بما تقوم به الحكومة أكثر من الضفة لأنهم هم من يتلقون المساعدات، ونتلقى العديد من الاتصالات والمراسلات التي تعبر عن شكرهم للحكومة على ما تقوم به، هذا ما قاله رئيس وزراء حكومة الوفاق الفلسطينية "د.رامي الحمد الله" في حوار معه على فضائية الفلسطينية، ليس بالأمر الهين أن نهضم ما حملته هذه الجملة دفعة واحدة، لا بد من تحليلها إلى كلمات وحروف علنا نتمكن من بلع ما تيسر منها، عسر الهضم الذي تسببت فيه لم يكن بفعل التخمة من سيل رسائل الشكر والتقدير التي تنطلق من قطاع غزة المحاصر، بل بفعل عجز أهلنا في الضفة الغربية عن إقتفاء أثر أهل غزة في الإكثار من رسائل المديح والثناء للحكومة فضلوا الطريق.
ترى هل الطريق التي تسلكها رسائل الشكر ليست تلك التي تعتمدها غيرها من الرسائل؟، وكيف تتمكن هذه الفئة من الرسائل من التسلل وإختراق الحصار المشدد على القطاع فيما تعجز سواها عن فعل الشيء ذاته؟، وهل لدى الحكومة قنوات إتصال تسمح بمرور كلمات وتمنع أخرى؟، وهل هذه الرسائل تصل الحكومة بالبريد السريع أم عن طريق "SMS "؟، ألا يمكن لرسائل الشكر المنطلقة من الشق الآخر من الوطن أن تكون قد تكدست عند حاجز حواره أو ترقوميا؟، طبيعي أن يكون في إختلال كفتي ميزان الشكر ما يؤرقنا، فالعدالة التي ننشدها تقع مفردات الشكر والثناء والمديح ضمن معايير عملها.
الحكومة ترى أن شكر أهل غزة يرتبط بالمساعدات التي تقدمها لهم، وقبلت بذلك أن تقتصر مهمتها على تقديم المساعدات العينية أو المادية، وبالتالي تكون الحكومة قد وضعت نفسها من حيث لا تحتسب في خانة الجمعيات الأهلية، والحقيقة أن هنالك من الجمعيات الأهلية من قدم لأهلنا مساعدات أثناء الحرب تفوق بكثير ما فعلته الحكومة، فالمساعدات العينية التي وصلت غزة في مجملها تبرعات من أهلنا في الضفة الغربية، أما المساعدات المالية التي أقرتها الحكومة والتي جاءت على شكل صرف مساعدة بقيمة ثلاثمائة شيكل لأصحاب المنازل المدمرة، فهي بقيمتها لا ترقى بالمطلق لمستوى مساعدة لمن فقد منزله وخرج منه بما يحمله جسده من ملابس.
قد تكون الحكومة محقة فيما ذهبت إليه من عظم المساعدات التي تقدمها لغزة إذا وضعنا بند الرواتب ضمن المساعدات، كما تفعل الحكومة مع تفريغات 2005 حيث ما يصرف لهم شهرياً يأتي ضمن بند مساعدات في ميزانية الشؤون الاجتماعية، ولم تفلح كل المناشدات والقرارات واللجان التي شكلت في تغيير ما يصرف لهم من بند مساعدة إلى بند راتب.
قبل سنوات اجتاحت قوات الاحتلال مخيم خان يونس الغربي وعاثت فيه تدميراً، العشرات من الأسر فقدت منازلها وباتت دون مأوى، بعد ساعات قليلة من انسحاب قوات الاحتلال جاء كل من السيد محمد زهدي النشاشيبي "وزير المالية آنذاك" يرافقه السيد صخر بسيسو " محافظ خان يونس آنذاك" لتفقد المنطقة والوقوف عن كثب حول حاجة الأسر التي فقدت مأواها، كانت الأسر مكلومة بما أصابها، تعرض الأخوة للتجريح ولدى مغادرتهم المكان قذف البعض سيارتهم بالحجارة، لم يثنهما ذلك عن متابعة مسؤوليتهما في ايواء الأسر التي شردت، وبقي الرئيس "أبو عمار" على تواصل معنا حتى استكمال عملية الإيواء عند منتصف الليل.
لا نبرر بالمطلق ما تعرض له وزير صحة حكومة التوافق عند قدومه لغزة ابان الحرب، ولكن ليس من المنطق في شيء أن نجعل من تلك الحادثة، المدانة والمستنكرة من الجميع، الشماعة التي نعلق عليهاغياب الحكومة عن غزة، الغياب الذي لا يمكن للحكومة تبريره إلا إذا قبلت ان تكون مهمتها في قطاع غزة في حدود المهام الملقاة على عاتق الجمعيات الأهلية الخيرية، عندها يكون شكرها واجب يمليه علينا ما تقدمه من مساعدات، بقي أن نقول هل ما زالت حكومة الحمد الله تتلقى الكثير من رسائل الشكر بعد مجزرة الرواتب التي طالت العسكريين؟، وهل حقاً لا تجد الحكومة حلاً لأزماتها المالية سوى بإستقطاع المزيد من رواتب أبناء غزة؟، يبدو أن الحكومة فعلاً "حكومة فرق عملة".