ما بعد حرب الخامس من حزيران 67 واحتلال أجزاء من الاراضي العربية... أعلن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر عن تنحيه عن المسئولية وتحمله لكافة تبعات الحرب... وعندها خرجت الملايين من أبناء مصر في التاسع والعاشر من يونيو متمسكين بزعيمهم وقائدهم الرئيس عبد الناصر رافضين للهزيمة ومصممين علي مواصلة مسيرة القتال حتي النصر وتحرير الارض.. . فكانت حرب الاستنزاف التي قادها الرئيس عبد الناصر منذ العام 67 وحتي وفاته في سبتمبر بالعام 70 حرب حقيقية وعمليات فدائية وراء خطوط العدو وتدريبات وتجهيزات عسكرية استعدادا لمرحلة خوض حرب شاملة يستعيد فيها الجيش المصري أرضه وكرامته... في لحظة فارقة اظهرت مدي أصالة الجيش المصري وارادة الشعب الذي رفض الهزيمة وتحمل بكل صبر وصمود نتائج حرب الاستنزاف التي أصابت مدن القناة الإسماعيلية ..وبور فؤاد ..والقنطرة. وبورسعيد بدمار كبير وهجرة عشرات الالاف من أبناء مدن القناة الى العمق المصري .
حرب الاستنزاف وما أكدته من بطولات كبيرة لإرادة صلبة لشعب لا يقبل بالهزيمة... وجيش مصمم علي الانتصار من خلال بذل جهود متواصلة لإعادة التسليح والتدريب ووضع الخطط الدفاعية والهجومية تمهيدا للحظة القرار الذي سيصدر لدخول قناة السويس وتدمير خط بارليف الحصين... وفي ظل عظمة الانجاز والتجهيز والتدريب فقدت مصر أعز الرجال وقائدها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ولم يستسلم الشعب المصري لخسارة قائده ورحيله في لحظه تاريخيه صعبه... وفي ظل تحديات كبيرة ...استمر ت التجهيزات والتدريبات وارادة التحدي علي الاستمرار في المواجهة العسكرية برغم التفوق لسلاح الجو الاسرائيلي .
عملت القيادة المصرية ومن خلال جيشها العظيم علي توفير ما يلزم من امكانيات عسكرية وتطوير ما هو متواجد لدى الجيش المصري حتي تستكمل كافة الاستعدادات لخوض حرب شاملة لاستعادة الارض وتحريرها.
كانت التحركات السياسية ومنذ مبادرة روجرز وحتي الجولات المكوكيه لهندري كسنجر من أجل تطبيق القرار 242 الذي صدر عن مجلس الامن الدولي بعد حرب حزيران 67 وأهم بنوده وقف اطلاق النار وانسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة وكانت اسرائيل كعادتها وفي ظل تسويفها ومماطلتها وتفسيراتها للقرار الدولي بأن المقصود من القرار أراضي وليس الأراضي... أي بمعني الانسحاب كما تري اسرائيل من جزء من الاراضي العربية المحتلة وكان الرفض لهذا التفسير للقرار الأموي .
في ظل التحركات السياسية الامريكية والمماطلة الإسرائيلية كانت مصر تجهز نفسها لما هو قادم من حرب الضرورة لتحرير أرضها... فكان التحرك المصري السوري بين الرئيسين أنور السادات وحافظ الأسد والاتفاق النهائي علي خوض الحرب مهما كانت النتائج .
وفي السادس من أكتوبر العاشر من رمضان وفي يوم الغفران حسب الاعياد اليهودية وما بعد الساعة الثانية ما بعد ظهر يوم السبت قام الطيران المصري بدك حصون ومواقع العدو الاسرائيلي في سيناء... ودخول القوات المسلحة المصرية لقناة السويس ورفع العلم المصري علي ضفة القناة وتدمير خط بارليف الحصين... والذي لا زال موضع دراسة وأبحاث عسكرية فى العديد من الاكاديميات التي تري في هذا الانجاز العسكري المصري قدرة نوعيه تعبر عن ارادة صلبة وخطه عسكرية علي مستوي عالي قادها المشير أحمد اسماعيل علي ورئيس اركانه الفريق سعد الدين الشاذلي ونخبة من القادة العسكريين الذين أثبتوا كفاءة وقدرة في ظل قيادة سياسية يقودها الرئيس الراحل أنور السادات الذي استطاع أن يحدث التكتيك المخادع لتحقيق هدف استراتيجي من أجل تحرير الارض المصرية والتي استشهد من أجلها عشرات الالاف من الجنود والضباط والقادة وعلي رأسهم الفريق عبد المنعم رياض الذي كان يتقدم القوات مع جنوده وضباطه .
ضربة عسكرية مفاجأة من الطيران والمدفعية أفقدت اسرائيل توازنها وقدرتها العسكرية من خلال عنصر المفاجأة التي جعلت جولدا مئير من الاتصال بالرئيس الامريكي تطالب بالإنقاذ الفوري وعمل جسر جوي بين أمريكا ومنطقة سيناء لدعم القوات الإسرائيلية بالأسلحة الاكثر تطور... كما كانت للصدمة العسكرية التي انتابت القيادة العسكرية الإسرائيلية بقيادة موشيه ديان وزير الدفاع الاسرائيلي في ذلك الوقت من التفكير بخطه بديلة لوقف هزيمة جيشه من خلال محاولة الالتفاف علي الجيش الثالث الميداني عن طريق ثغرة الدفرسوار والتي قادها أرئيل شارون وهي محاولة بائسه و يائسة كان يمكن أن تكلف الجيش الاسرائيلي الالاف من جنوده ما بين أسير وقتيل .
مع هزيمة الجيش الاسرائيلي ودخول القوات المصرية الى ما يقرب 15 كيلو متر وتمشيط المنطقة من القوات الاسرائيلية تحركت الولايات المتحدة الامريكية من أجل استصدار قرار من مجلس الامن برقم 338 واجراء محادثات الكيلو 101 وتسليم الاسري الإسرائيليين وفك الاشتباك بعد اعلان وقف اطلاق النار... وبداية مرحلة سياسية جديدة قادها كسنجر من أجل تهيئه المناخ السياسي لاتفاقية سلام بين مصر واسرائيل حتي وصلت ما بعد ذلك الاوضاع السياسية الى عقد اتفاقيه كامب ديفيد بين الرئيس السادات ورئيس الحكومة الاسرائيلية مناحيم بيجين والتي تم من خلالها الانسحاب الاسرائيلي من شبه جزيرة سيناء بشكل كامل .
جيش مصر العظيم... وشعبها الأبي... والذين رفضوا الهزيمة وأصروا علي تحقيق الانتصار وتحرير أرضهم من العدو الاسرائيلي يعتبر بمثابة تحول تاريخي في الصراع العربي الاسرائيلي.. وشاهد اثبات علي أن وقوف الامة العربية دعما لمصر وحريتها واستقلالها خير ضمان لأمن واستقرار المنطقة... وكان الموقف السعودي من خلال المغفور له جلاله الملك فيصل والذي استخدم البترول والمقاطعة كأسلوب داعم واستراتيجي للموقف المصري لما كان له من أثر كبير لتحقيق النتائج الأفضل علي صعيد الميدان وفي الساحة السياسية .
ذكري حرب أكتوبر المجيدة ستبقي محفورة في الذاكرة الوطنية والقومية....لجيش عظيم...ولشعب مصمم علي حريته وكرامته واستقلال أرضه ... مما جعل من الرسالة المصرية هي الأقوى في تاريخ الصراع... وأوقفت اسرائيل عن أطماعها وتوسعها ..ونذكر في ذلك الوقت أن مستوطنة يميت التي كانت في شبة جزيرة سيناء يقول عنها القادة الإسرائيليين انها مثل تل أبيب مما يوكد مدي أطماعهم وغطرستهم التي تمرغت برمال صحراء سيناء .
هذا التحول الاستراتيجي في المواجهة العسكرية أعطي درس قوي للجيش الاسرائيلي أن الجيش العربي المصري يمتلك من المقومات والقدرة والثبات علي تحقيق أمن واستقلال واستقرار سيناء وأن اى عدوان أو محاولة لزعزعه أمن واستقرار هذه المنطقة العزيزة من مصر الغالية... سيكون ثمنها باهظ ومكلف لكل من يفكر بالاعتداء علي شبر واحد من الاراضي المصرية .
فكل التحية للقوات المسلحة المصرية بذكري نصر أكتوبر ..وكل التهنئة للشعب المصري العظيم ..وجيشه وقيادته السياسية بمناسبة هذه الذكري العزيزة والغالية علي قلوب الملايين من أبناء فلسطين... الذين يرون في مصر القوية قوه لهم.... وأن كل نصر يتحقق لمصر هو نصر لفلسطين.
الكاتب: وفيق زنداح