تحدث صديق عن حكاية زيارته لمخيم في الضفة الغربية، ما أن بدأ بسيارته الحديثة يشق طريقه في أزقة المخيم حتى صاح الأطفال "فياض ..فياض"، كان يومها د. سلام فياض على رأس الحكومة الفلسطينية، وعلق صديقي قائلاً يبدو أن د. سلام فياض اعتاد زيارة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية فيما اكتفى الآخرون بالجلوس في مكاتبهم المكيفة، يومها انبرى صديق آخر موجهاً سهامه إلى فياض، ولم يجد باباً تلج منه سهام غضبه سوى إلحاح د.فياض على المشاركة في كل صغيرة وكبيرة، استهجن يومها صديقي مشاركة رئيس الحكومة في تدشين بئر مياه في قرية نائية في الضفة الغربية، واختتم هجومه قائلاً أن فياض على استعداد لتلبية دعوة لحضور حفل عيد ميلاد طفل في قرية في آخر الوطن.
جال في خاطري ذلك اللقاء وأنا أستمع لخبر أن رئيس حكومة الوفاق الفلسطيني سيجتمع بحكومته في غزة، وأن التحضيرات لإستقباله تسير على قدم وسائق، بما فيها التحضير لتسيير مسيرات حاشدة لتكون في استقباله، لا شك أن إلتئام حكومة التوافق في غزة بعد سنوات عجاف من الانقسام يدخل البهجة في النفس، والبهجة ليست بفعل الاختراقات التي حققتها الحكومة في القضايا التي يعاني منها المواطن، فكل شيء ما يزال على حاله، المعابر ما زالت تعمل بنفس الوتيرة، والكهرباء هي الأخرى لم تغادر جدول القطع الطويل وإن حاولنا تجميله بتخفيف الأحمال، والبطالة لم يتوقف قطارها عند محطة برنامج بطالة كي يلتقط أنفاسه قبل أن يواصل مسيرته، والفقر تستفحل جذوره لتأذن بتوسيع رقعة المسحوقين، وإعادة الإعمار لم تأذن بعد برفع أنقاض المنازل التي دمرها الاحتلال، البهجة فقط بإختفاء التعارض في الآوامر الصادرة عن حكومتي الضقة غزة.
ترى هل يتضمن برنامج زيارة الحكومة إلى غزة تفقد المنازل المدمرة؟، هل تملك الحكومة دوراً في إعادة الاعمار أم أنها ألقت به على كاهل المنظمات الدولية؟، وهل وضعت الحكومة خطتها لإيصال كيس أسمنت للقطاع الخاص؟، وهل لديها بشائر حول أزمة المعابر الشمالية منها والجنوبية؟، وهل وفرت الحكومة مولداً كهربائياً ليخدم اجتماعها أم أن شركة الكهرباء ستتولى مهمة توفير الكهرباء لهم دون انقطاع؟، هل يتسع وقت الحكومة لتوضيح الآلية التي ستعمل من خلالها سويسرا على حل أزمة الرواتب في غزة؟، وماذا عن تفريغات 2005 هل بمقدورهم مغادرة بند المساعدة الاجتماعية إلى بند الراتب؟، وهل نحن على مقربة من فرمان يعود بموجبه الموظفون إلى أماكن عملهم؟، وهل حضرت الحكومة إلى غزة وفي جعبتها تحمل خارطة طريق للعاطلين عن العمل؟.
لا شك أن الحكومة في موقف لا تحسد عليه، فهي لا تمتلك الاجابة عن غالبية الاسئلة المتعلقة بالمستقبل القريب أو البعيد وعينها بصيرة ويدها قصيرة، وأعتقد أن الوعود لم تعد تجدي نفعا مع مجتمع عاش عليها لسنوات وتجرع مرارتها، والصراحة هي الأخرى صادمة وغير مضمونة العواقب والانعكاسات، لذا رأفة بالحكومة من المفيد ألا يشكل استقبالنا لها عبئا إضاقياً عليها، من المفيد أن نساعدها كي تتيقن أنها ما زالت ضمن جغرافية عملها، ليس مطلوب منها أن تضع اجابة نموذجية لكل احتياجات القطاع، لكن على الأقل مطلوب منها أن تتواجد بين مفردات الحياة المختلفة في القطاع، لا أن تتحول جلستها فقط لإلتقاط الصور التذكارية ومدخلا لرفع العتب.