إذا ما استطاعت الحكومة السويدية الجديدة الصمود بوجه الضغوطات والعاصفة الدبلوماسية الهوجاء التي أثارتها الإدارة الأمريكية المدافع الأول عن حليفتها الإستراتيجية الخارجة عن القوانين والأعراف الدولية بالرغم من وصف رئيس حكومة الإحتلال الذي اعتاد على تكرار الإهانات لولي نعمته مستقوياً بقوى النفوذ الصهيوني على عتبة الإنتخابات التشريعية النصفية بقوله أن سياسة الرئيس "أوباما" تجاه الإستيطان لاتمثل القيم الأمريكية الحقيقية ، جاء رد الناطق باسم البيت الأبيض الأمريكي باهتاً ضعيفاً ومُستجدياً بأن القيم الأمريكية هي التي أنقذت المدنيين في إسرائيل من الصواريخ ويقصد "صواريخ المقاومة أثناء محرقة غزة" وتمويل مشروع انشاء القبة الحديدية وتقديم المساعدات المالية والعسكرية الطارئة ومع ذلك تصّر الإدارة الأمريكية الإمعان في قلب الحقائق الماثلة للعيان وحماية كيان الإحتلال من المحاسبة أو المسائلة على جرائمه المصنفـّة تحت باب جرائم الحرب والإبادة الجماعية والوقوف سداً منيعاً بوجه تطلعات الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله .
حكومة الإحتلال من جهتها استدعت خارجيتها السفير السويدي في تل أبيب معبّرة عن خيبة أملها وقامت بالإحتجاج حول نية إئتلاف حكومة الإشتراكيين الديمقراطيين وحزب البيئة المعروف باسم تحالف"الأحمر والأخضر" الذين قطعا وعداً للناخب السويدي في برنامج الحملة الإنتخابية الإعتراف بالدولة الفلسطينية حال الفوزبالإنتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة الجديدة ، جاء تأكيد رئيس الوزراء "ستيفان لوفين" الوفاء بالإلتزامات التي قطعها على نفسه في سياق عرض السياسة الخارجية لحكومة يسارالوسط أمام البرلمان المُنتخب ، سيكون فاتحة عصرٍ جديد قد يشجّع الدول الأوروبية الأخرى الحذو حذوها خاصة أن الكثير منها لديها القناعات بأهمية هذه الخطوة لكنها لاتريد أن تكون البادئة لحسابات متعددة ، مايعني في كل الأحوال بداية تفكّك الدائرة المغلقة التي ظلـّت تسبح في الفلك الأمريكي أزاء القضايا الإستراتيجية ذات الشأن بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط عامة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا بالرغم من بعض التباينات الثانوية في السياسات الخارجية هنا أو هناك .
ان الخطوة السويدية الجريئة غير المسبوقة على الصعيد الأوروبي تضعها في مكانة تاريخية مرموقة ستبقى الذاكرة الفلسطينية تختزنها جيلاً بعد جيل انتصاراً للعدالة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والإستقلال ، وتأتي في الوقت الذي تسعى واشنطن حرف الأنظار عن العدوان الهمجي لحكومة الإحتلال المستمر بأشكال متعددة على الشعب الفلسطيني ومقدساته وممتلكاته ، وتركيز كل جهودها نحو إنشاء تحالف دولي للحرب على ماتسميه الإرهاب ، في حين تعيد الخطوة السويدية صوابية الأمور إلى نصابها الحقيقي حيث يتطلب مكافحة الإرهاب معالجة جذور هذه الظاهرة المتنامية في بيئة سمحت لها بالتضخّم نتيجة عدم تقدير المخاطر الناجمة عنها كما تقول أجهزة الإستخبارات الأمريكية وهي محاولة للتغطية على الفشل الذريع الناجم عن السياسات الخاطئة ، أواستخدامها في إشاعة مناخ الفوضى الهدّامة ذات الصلة بالمشاريع الإستعمارية وفي المقدمة منها الإحتلال باعتباره يمثل رأس الإرهاب المنظـّم ، وبالتالي لاتقتضي الحكمة القفز باتجاه معالجات سطحية ليس لها نهاية ربما تستغرق سنوات عديدة حسب تقديرات البيت الأبيض وكذا الحكومة البريطانية الشريكة في هذا التحالف يكون ضحاياها سقوط المزيد من الأبرياء إضافة إلى الدمار الهائل للبنى التحتية وممتلكات المدنيين مايعيد هذه البلدان إلى العصور البدائية بينما يزدهر الإرهاب والتطرف والأفات الإجتماعية الأخرى .
بات من الواضح أمام الإتحاد الأوروبي بما لا يدع مجالاً للشك أن امكانية الوصول إلى تسوية عادلة تعيد الحقوق إلى أصحابها تقوم على أساس حل الدولتين"غير المُعرّف" أو الموثـّق من الناحية القانونية المشكوك في مصداقيته إضافة إلى قرارات الشرعية الدولية وعودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها وفق القرار الأممي "194 " ماهو إلا ضرباً من الوهم في ظل حكومة المستوطنين التي تستثمر المفاوضات غطاءً للسطو على المزيد من الأراضي الفلسطينية والإعلان عن بناء الاف الوحدات الإستيطانية بالتوازي مع القرارات العنصرية المقيتة وانتهاج سياسة التمييز والإبادة الجماعية فضلا عن تغييرالملامح الجغرافية والديمغرافية للأراضي المحتلة بما فيها عمليات ترحيل البدو عن مضاربهم المتجذرين فيها قبل إنشاء كيان الإحتلال نفسه ، كل ذلك يستدعي الإنتقال من مرحلة التفهّم والتعاطف إلى حيـّز الأفعال وهو مابدا انعكاساته الإيجابية تتنامى بعد القرار السويدي في كلٍ من فرنسا وبريطانيا التي سيناقش مجلس العموم البريطاني خلال الأيام القادمة مسألة الإعتراف بالدولة الفلسطينية في خطوة رمزية غير مُلزمة لكنه مؤشر ينبغي البناء عليه وتطويره مع العلم أن الحكومة البريطانية تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عما حلّ بالشعب الفلسطيني من كارثة النكبة المشؤومة وبالتالي يتحتم عليها تصحيح ذلك الظلم بالأعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وتقديم الإعتذار للشعب الفلسطيني عما لحق به من أذى .
باءت محاولات حكومة الإحتلال إجهاض الخطوة السويدية في المهد بالفشل بعد أن أشاعت عبر الصحف العبرية ووسائل اعلامها مناخ التشكيك وتراجع حكومة السويد عن موقفها أثر استدعاء السفيرإلى مقر وزارة الخارجية الإسرائيلية والطلب منه توضيح تصريحات رئيس الحكومة ،غير أن الرد الرسمي السويدي لم يتأخر عبر تصريحات الناطق بلسان الحكومة وأيضاً وزيرة الخارجية " مارغوت فالستروم"أكدا خلالها على ذات الموقف الذي لم يأتي وليد الصدفة إنما جاء انسجاما مع رؤية الإشتراكيين الديمقراطيين في السويد منذ سنين طويلة وان الحكومة مستعدة لمواجهة كل الضغوطات من إي جهة كانت وأبدت الإستعداد للحوار مع الجميع على قاعدة انتقال القرارات الدولية إلى التطبيق الفعلي مايساعد على ارساء قواعد السلام العادل المتكافيء والمتوازن ، واختتمت وزيرة الخارجية أقوالها بالتمني لدول العالم أن تكون الخطوة السويدية مُلهمة للأخرين من أجل صنع السلام العادل .
لعلّ أن يكون الوقت الراهن الصعب الذي تقف فيه القضية الفلسطينية على مفترق طرق زمن أشـدّ الظروف دق’ ، يشكل عامل نهوض واستجماع للقوى في إطار تعزيز الوحدة الوطنية ومغادرة مناخ الفرقة والإنقسام والبحث عم مكاسب ضيقة لامعنى لها، من أجل الوفاء للشعب الذي قدم التضحيات العظيمة وأغلى مايملك على مذبح الحرية ،فهو يستحق كل التقدير والإمتنان لذلك فإن إعادة مادمره العدوان الغاشم على قطاع غزة يقف على سلم الأولويات الوطنية بالتوازي مع انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني عبر كل الوسائل الكفاحية والنضالية بما فيها الإنضمام إلى كافة المنظمات والهيئات الدولية التي من شأنها وضع مجرمي الحرب وقتلة الأطفال في قفص العدالة الدولية التي غابت شمسها طويلاً لكنها عائدة لامحالة فلا يموت حق وراءه مطالب ...