يبدوا أن اسرائيل وعبر حكوماتها المتعاقبة تنشد وباستمرار لفلسفة وجودها ودورها والاهداف التي من أجلها كانت الولادة غير الطبيعية ..وغير الشرعية والمشروعية لكيان غاصب تواجد علي أرضنا ...وعلي حساب حقوقنا...وما ارتكب من مجازر وجرائم عبر تاريخ هذه الدولة ولا زال علي عدوانه واستيطانه وأطماعه التوسعية ...حتي يبدوا وكأننا أمام كيان يسقط مع السلام ...ويتفكك مع الامن والاستقرار ...أمام كيان لا يقبل بأي صوت عاقل ومتزن ...وكأن عوامل التدمير الذاتي ومن داخله هي المرجحة بفعل تفاعل مجموعه المصالح والتناقضات والثقافات والأيدولوجيات ....وعدم امتلاك هذا الكيان لقدرة اتخاذ القرارات المصيرية وبما يخدم الوجود والبقاء وحتي تحقيق الامن والاستقرار ....وكأن مخطط الوجود التاريخي المستند للفكر الصهيوني يعتمد علي ابقاء حالة الصراع والاستمرار بالتوسع ...وادارة الحلول وليس العمل علي انجاز حلول شاملة وممكنة علي مستوي الاقليم وأساسها القضية الفلسطينية .
لقد أبدت القيادة الفلسطينية مرونة كبيرة خلال السنوات الماضية وما زالت ....كما القيادات العربية والتي أعلنت منذ سنوات في قمة بيروت مبادرة السلام العربية ....كل هذا لم يحرك المواقف الإسرائيلية اتجاه السلام الحقيقي ...بل حاولت اسرائيل الدخول بمفاوضات طويلة المدي دون سقف زمني ودون استناد لقرارات الشرعية الدولية وأهمها القرار 194 والقرارات 242 ...338 .
لقد كان القرار 242 .. 338 وما بعدها من قرارات ملزمة للجانب الفلسطيني والعربي ...لكنها غير ملزمة لإسرائيل ...التي اعتمدت في فلسفتها ونهجها السياسي علي رفض تدويل الصراع والزامها بتنفيذ القرارات الدولية ...وأصرت ان تكون المفاوضات الثنائية ممر مقبول لإجراء أي مفاوضات وتوقيع أي معاهدات واتفاقيات ....فكانت أوسلو وما قبلها كامب ديفيد.. واتفاقيه وادي عربه ...وبدلا أن تكون هذه الاتفاقيات دافع مهم علي طريق تحقيق السلام ...كانت عبارة عن واقع سياسي لزيادة التطرف والغلو بالمعتقدات التوراتية والعقائدية والايدلوجية علي حساب حقوقنا الوطنية.
لقد كانت المرونة السياسية الفلسطينية تتعدي حدود التوقعات والمألوف فمن كان يتحدث عن القرار 242 قبل سنوات كان يتهم بالخيانة ..واليوم أصبح مطلبا طالما يؤدي الى الانسحاب الإسرائيلي لحدود الرابع من حزيران 67 من كان يتحدث عن القرار 181 قرار التقسيم كان أيضا يتهم بالخيانة وأصبحنا اليوم نطالب بدولة بما مساحته 22% من فلسطين التاريخية ...وايضا اسرائيل وصل بها التطرف والعناد وتوراتيه الفكر الصهيوني السياسي الى اعتبار أن الاستيطان مشروعا وشرعيا وانها علي الارض الإسرائيلية ...وان القدس العاصمة الابدية لدولة اسرائيل ...وان الانسحاب من الضفة الغربية لا يمكن ان يتم خوفا علي أمن اسرائيل ...وحتي أن الدولة الفلسطينية لابد وأن يتواجد بداخلها قوات اسرائيلية حتي تحفظ اسرائيل أمنها .
اسرائيل لا زالت علي حالة التسويف والمماطلة والمراوغة وادارة الظهر لكافة متطلبات السلام اعتمادا علي الحالة العربية ومدي الدعم الامريكي لهذا الكيان ....وحتي كلمة نتنياهو امام الجمعية العامة للأمم المتحدة... وحتي ما بعد اللقاء مع الرئيس الامريكي اوباما لازال علي موقفه المتشدد والأكثر خطورة عندما يخالف القانون الدولي واركان الدولة والمحددة بسلطة ...وشعب ...وسيادة ...وحدود ...وهو بتصريحاته يهدم اركان الدولة عندما يطالب بالتواجد داخلها ...أو حتي باستقطاع جزء كبير من أرضها ..وحتي التواجد علي حدودها ...أي أن الحديث الاسرائيلي يتحدث عن معازل وكانتونات.... وليس الحديث عن سلام حقيقي ودولة مستقلة فلسطينية علي حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ...هذا الموقف الاسرائيلي الذي يأخذه اليمين واليمين المتطرف داخل هذه الكيان ينهي امكانيه حل الدولتين ويعود بنا الى نقطة الصفر ...حيث أننا أصحاب حق تاريخي في فلسطين من بحرها حتي نهرها ..ومن راس الناقورة حتي رفح ..وان هذا الكيان الغاصب الى زوال اليوم وحتي بعد مائه عام وأن المفاوضات غير مجدية ..وان السلام لا يتواجد في قاموس هذا الكيان ....هل هكذا تريد اسرائيل أن نتحدث معها ؟ وهل المجتمع الدولي يقبل لنا بالمطالبة بحقنا الشرعي والمشروع بفلسطين التاريخية ؟ .
يعني بالبلدي لا بالمقاومة خالصين ونتهم بالإرهاب ....ولا بالمفاوضات عاجبين ونتهم بالتطرف ...ولا حتي باللجوء للمؤسسات الدولية راضين عنا ...و لا حتي اعترافهم بانهم قوة محتلة وعليها ان تدفع استحقاقات الاحتلال وتحمل مسئولياتهم اتجاه الشعب المحتل ...لا يعجبهم ولا يريدون الاستماع لمثل هذا القول ويريدوننا أن نبقي بسلطه محتلة ...وبشعب محاصر ..وكل شى بتصريح ....
ونحن امام كل هذا البلاء والابتلاء وأمام كافة المواقف اليمينية المتطرفة نقف ....نفكر ...نتأمل ...نقاوم ...نفاوض ...وحسب موسم القطف ونسبه المحصول وكفايته وجودته ....بمعنى ان مواقفنا موسميه ..وردات فعلنا موسمية .
لم يكن امام القيادة الفلسطينية وعلي راسها الرئيس محمود عباس الا أن يتحرك سياسيا باتجاه المؤسسات الدولية وبغض النظر عن المواقف الاسرائيلية وتهديداتها ....فلا يوجد طريق أخر يمكن أن تسلكه القيادة الفلسطينية أمام هذا المانع التوراتي العقائدي الصهيوني المدمر لكافه فرص تحقيق السلام ...واصبح تدويل القضية مطلبا وواقعا سياسيا ليقف المجتمع الدولي بأسره أمام مسئولياته الانسانية والقانونية وعدم القبول باستمرار انتهاك القانون الدولي .
ان الشعب الفلسطيني وعبر مسيره نضاله الطويل يعطي الفرصة تلو الفرصة ..لهذه الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة حتي يتحقق السلام والامن وأن تتم التسوية السياسية علي اساس حل الدولتين ...الا أن اسرائيل لازالت تمارس تطرفها وارهابها وغلوها في معتقداتها وأيدولوجياتها ...وهذا لن يحقق أمنها المنشود ...بل سيجعل الصراع يتجدد ..والخيارات والاحتمالات ستبقى مفتوحة الى ما هو أشد خطورة ...وعندها لن ينفع الندم ...يوم لا ينفع الندم .
الكاتب : وفيق زنداح