مع عودة حكومة التوافق الوطني لقطاع غزة الذي طال انتظارها ،تشكل البوابة الأولى للبدء العملي بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ،واسترجاع قطاع غزة لحضن المشروع الوطني الفلسطيني التي راهنت على سلخه حكومات الاحتلال الاسرائيلي المختلفة ،وفي مقدمتها حكومة نيتينياهو اليمينية المتطرفة ،حكومة غلاة المستوطنين ،وبمشاركة البعض الفلسطيني والعربي والإقليمي والغرب الاستعماري ،وفشلهم في محاولات تحويل الصراع مع المحتل الاسرائيلي ،من الشمال الفلسطيني الى الجنوب ،وقذفه بعيدا نحو سيناء المصرية الأرض والهوية . لقد حاول الاحتلال الاسرائيلي الاستفادة من الانقسام الداخلي ،برسم مفهوم جديد لدور القطاع بعيدا عن المشروع التحرري من الاحتلال . ان دور حكومة التوافق الوطني ،المدعومة من الكل الوطني ،اولا في فهم الواقع الفلسطيني في غزة كما هو على الطبيعة ،لا رتوش ولا مساحيق ،أو محاولات التضليل بعيدا عن الواقع ،والعمل على معالجة مشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية المتراكمة منذ سبع سنوات عجاف بصبر وحكمة ،فحجم الألغام المزروعة أمامها في الطريق كبيرة ،وخصوصا مجموعات المصالح التي فقدت منابع ثروتها وسلطتها لن تستسلم بسهولة للواقع الجديد . ان حكومة التوافق الوطني تحتاج لفترة من الوقت حتى تستعيد ثقة الجماهير بها ،فهل سيكون أول قرار ،تتخذه الحكومة الشرعية في أول جلسة لها في غزة مساء يوم الخميس 9/10/2014،برفع الظلم عن موظفيها وجنودها ،ووقف كل القرارات التي تنال من حقوقهم المهنية والإدارية أسوة بزملائهم في الضفة الغربية ،وهم المتمسكون بالشرعية والمدافعون عنها ،وحل مشكلة موظفي حركة حماس دون تلكؤ ومراوغة ؟؟؟؟
ان اعادة اعمار غزة هي معركة وطنية وشعبية ،وأن أية محاولة للتلاعب بدماء المواطنين ،والمتاجرة بمعاناتهم تعتبر جريمة تضاف للجرائم التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة ،ونجاح اعمار قطاع غزة مرهون بالتخطيط وبالتنظيم وبالرقابة الادارية والشعبية وبالمتابعة والمسائلة وتحديد الأولويات ،وبشفافية ،وهي بالدرجة الاولى مسئولية حكومة التوافق الوطني ،مدعومة بمراقبة القوى السياسية ،ومؤسسات المجتمع المدني والشعبي ،ولضمان تحقيق برامجها ومهماتها فإنها تحتاج لاستقرار نسبي ،وهدوء والتزام الكل الوطني بالتهدئة ،وضبط المجموعات المسلحة ،وعدم الانجرار الى اية استفزازات اسرائيلية ،أو ردات فعل غير محسوبة .ان الالتزام بالتهدئة من الجميع تصبح مهمة وطنية ،فمعاناة المواطنين لا بد من اخذها بعين الاعتبار والاهتمام بها ،وهي احدى أولويات حكومة التوافق الوطني وفصائل الفعل المختلفة. خصوصا ان تجربة المساعدات في الفترة السابقة لم تكن نموذجا مشرفا ،في غياب مشاركة الكل الوطني ،والفعل الشعبي ،والاستحواذ الخاص عليها ،والجهوية في عملية توزيعها ،كما افتقدت لإدارة ناجعة ،وتمييز في عملية توزيع المساعدات ،غلب الخاص على العام ،وشابها العديد من الثغرات ،مما أفقدها المصداقية والنزاهة.
ومع انعقاد المؤتمر الدولي بالقاهرة لاعمار قطاع غزة ،برعاية مصرية ونرويجية في 12/10/2014 ،وبمشاركة كبيرة من المجتمع الدولي ،ربما تصل المساهمات ما بين 5-7 مليار دولار امريكي ،تأتي خطة ممثل الأمم المتحدة روبرت سيري ،بإشراف الأمم المتحدة وحكومة التوافق الوطني وإسرائيل التي تقوم على رقابة وفق نظام حاسوبي ،ومفتشين دوليين لمراقبة اعادة اعمار قطاع غزة ،فإنها تستجيب للضغوط الاسرائيلية والأمريكية الهادفة للرقابة على حركة مواد الاعمار كالاسمنت والحديد والحصمة ... الخ تحت حجة منع استخدامها لأغراض اخرى كما تدعي ،وفي نفس الوقت تمنح سلطات الاحتلال الاسرائيلي صكا مفتوحا لتعطيل عملية الاعمار في اية لحظة تحت أية ذريعة او مبرر ،حتى لو كان وهميا ،وتتجاهل دور القطاع الخاص الفلسطيني في اية خطة لإعادة اعمار قطاع غزة ،وتشكل ضربة لشركات المقاولات الفلسطينية ،وللعاملين في مكاتب الاستشارات الهندسية ،ولخبرات المهندسين والمستشارين والفنيين الذين رفضوا الخطة لأسباب عديدة . ان رفضهم لخطة روبرت سيري تتطلب ضغطا جماعيا ،وتقديم مشروعا متكاملا بهدف تطوير خطة سيري ،وتوفير ضمانات من أجل الاسراع في عملية أعمار غزة . ان التصدي الجماعي لكل محاولات حصول شركات المقاولات الاسرائيلية على امتياز اعادة اعمار غزة ،وربما بمسميات وهمية اوروبية او امريكية او تركية هي دعم للإرهاب وجريمة انسانية ،خصوصا أن آليات الاحتلال الميكانيكية والهندسية وجرافاتها هي التي تقوم بالاستيلاء على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس ،وتقيم المستوطنات والوحدات السكنية ،وهي الداعمة لآلة الحرب العدوانية على قطاع غزة ،والمشاركة في تدميره كليا وجزئيا ،مما يستدعي من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية ،وحكومة التوافق الوطني العمل على افشال كل المحاولات الاسرائيلية للمساهمة في اعمار غزة ،فدماء الشهداء والجرحى لم تجف بعد ،ولا يمكن السماح لمن دمر القطاع ان يعيد اعماره . ان عملية اعمار قطاع غزة لا يمكن حصرها في بناء المساكن والبيوت فقط ،فلقد ألحق العدوان الارهابي على قطاع غزة تدميرا كاملا بالبنية التحتية والفوقية شملت كل مناحي الحياة من الكهرباء والمياه والصرف الصحي والمواصلات والتجارة والصناعة والزراعة ،ودمارا بقطاع التعليم والصحة والاتصالات والطاقة ،والتشغيل ... الخ مما يستدعي العمل على توحيد عمل الوزارات والمؤسسات ،وفي مقدمتها الأجهزة الشرطية والأمنية التي تحتاج ،لإعادة تأهيل وتدريب موحد على العقيدة الأمنية تدافع ،وتحمي الوطن والمواطن .
ان المدخل لمواجهة كافة الملفات الخاصة بإعادة اعمار قطاع غزة ،ومنع الاحتلال الاسرائيلي من تحقيق أهدافه الأمنية والاقتصادية ،يأتي عبر البوابة المصرية ،والتنسيق مع القيادة المصرية ،والعمل بروح المسئولية الوطنية والعروبية ،وضمان عدم التدخل في شؤونها الداخلية ،والنأي بأنفسنا عن ما يجري على أراضيها ،واحترام حدودها الإقليمية ،باعتبارها امنا قوميا مصريا وفلسطينيا مشتركا . ان فتح معبر رفح للأفراد والبضائع ،والتعاون المشترك بين القيادتين ،والإسراع في ادخال مواد الاعمار لقطاع غزة من شأنه ان تم ،سيساهم اولا في انعاش الاقتصاد المصري ،ويعزز صموده في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة الامريكية وتركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ،ويفشل كل محاولات تعطيل التنمية والتطور والتقدم ،فبعض الخبراء الاقتصاديين يقدرون حجم الاستثمارات والتعامل سيزيد عن 37 مليار جنيه مصري ،اذا ما جرت تحسينات لوجستية وإدارية على معبر رفح الحدودي ،واستمرار عمله طيلة 24 ساعة دون تعطيل ،باعتباره ممرا دوليا تتدفق عن طريقه المساعدات العربية والدولية ،ويوازيها الضغط من أجل فتح باقي المعابر الاسرائيلية ،وضمان حرية الحركة للأفراد والبضائع مع الضفة الغربية وقطاع غزة في الاتجاهين ،وتعزيز التواصل مع شعبنا الفلسطيني تأكيدا على وحدته السياسية والجغرافية .
طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الاربعاء 8/10/2014
[email protected]