لا يختلف اثنان على أهمية البنوك في الاقتصاد الوطني وتنشيط الاستثمار بل باعتبارها الدعامة الرئيسية له من خلال تقديم التسهيلات والخدمات التي توفر الرفاة للمواطنين وتمكن الشركات من المساهمة في هذا الاقتصاد، هذا الامر ينطبق على جميع البلدان. لكن يضاف اليها فلسطينيا بأنها أصبحت مكانا آمنا لحفظ الاموال خوفا من سرقتها من قبل جنود الاحتلال خلال عمليات الاقتحام للمنازل. كما لا يختلف أحد على عقود الاذعان التي يوقعها المواطنون "العملاء" عند فتحهم حسابا في البنوك العاملة أو الحصول على قرض منها. ولا أعتقد أن أحدا يدقق أو حتى يقرأ الشروط الخاصة بفتح الحساب أو ادارته الموجودة في عشرات الاوراق والتوقيعات المتعددة، ربما للثقة الزائدة برقابة سلطة النقد "البنك المركزي" وحرصها على الثالوث المقدس؛ حقوق الدولة وسلامة اجراءات البنوك وحماية المواطنين، لكنهم يعلمون علم اليقين أن البنك قد قبض على روحهم قبل أموالهم.
عقود الاذعان هذه لا احدا يعيرها اهتماما، ولا اعتقد أن احدا سيعيرها الاهتمام مستقبلا لحاجة الشباب لفتح الحساب لبدء حياتهم العملية، ولحاجة المقترضين للأموال فقط قد يجادلون قليلا في نسبة الفائدة والقسط الشهري وحجم المبلغ الناجم عن الفائدة الذي سيدفعه المقترض، وهنا دائما لن ينجوا العميل من موظفي قسم الخدمات أو المتخصصين في الاقراض تحت وهم الفائدة المتناقصة أو تخفيض الفائدة مقابل العملات الثابتة مع نقاش سعر الفائدة العالمي "الليبر" وتعليمات سلطة النقد وغيرها التي تضع المتخصصين في الآداب وأخواتها من علوم اجتماعية وحتى علوم الفلك في موقع محرج، وفي كل الاحوال،كما يقول المثل، "صاحب الحاجة أرعن".
هذه الاشكالية في التعامل مع البنوك تتماثل في اغلب الدول وتحتاج الى نقاش أوسع من مقال أو دراسة. لكن المشكلة هي عدم الشفافية ما بين البنك وعملاءه، وعدم احترام الالتزامات والتعهدات المتبادلة، وهنا سأضرب أمثلة واقعية على البنك العربي الاكبر وصاحب الخدمات الاكثر انتشارا، والذي يفخر الفلسطينيون جميعا بأنه من اصول فلسطينية.
أولا: عند استحداث عمولة على خدمة يقدمها البنك، مع ادركنا ان أي فائدة أو العمولة لا تتم الا بتعليمات من سلطة النقد الفلسطينية، لا يتم اشعار العملاء الخاضعين لها من قبل البنك. حيث استحدثت منذ شهر آب/ أغسطس عمولة جديدة تحت بند "عمولة سقف غير مستغل" وهي للعملاء الذين حصلوا على خدمة "الجاري مدين دوار" أي الحصول على ضعف الراتب أو مبلغ محدد للسحب على المكشوف.
ثانيا: وجود تضارب في الفوائد والعملات فكيف يمكن أن يسحب البنك عمولة "سقف غير مستغل" وفي نفس الشهر يتم قيد فائدة مدينة، وهي بذلك متعارضة بشكل لا يمكن فهمها لا عند المتخصصين في العلوم المالية والمصرفية فما بلكم لدى اصحاب التخصصات الادبية.
ثالثا: عدم احترام الالتزامات والتعهدات، ففي مناسبتين سعيدتين حصل عليهما موظفي السلطة هذا العام هما "انزال" الرواتب قبل العيدين أي قبل بداية الشهر، طبعا شهر موظفي السلطة الفلسطينية يبدأ في الخامس من كل شهر وليس في الاول منه، قام البنك باقتطاع القسط المستحق بداية الشهر، هذا الامر بالتأكيد لا يختلف عليه اثنين فمن حق البنك ضمان الحصول على مستحقاته " تسديد القسط الشهري" . شخصيا حاولت أن أكون "فهلويا" بأن يقتطع البنك القسط الشهري من حسابي الدولار وليس الشيقل "عملة الراتب" حتى لا أدفع مع رأس كل شهر فائدة القرض وفرق تحويل العملة، وهذا الامر يضمن للبنك حصول القسط الشهري في رأس كل شهر ميلادي وليس رأس شهر السلطة الرواتبي، وكنت اعتقد ان هذا الامر عدلا فلا غالب أو مغلوب. وأن الآلات المحوسبة والتقنيات فائقة الجودة ستحترم التعهد الملزم للطرفين، إلا أن جشع الانظمة ذات التقنية العالية التي تحوز عليها البنوك تقف عائقا امام احترام العهود والالتزامات.
هذا الخطأ بالتأكيد يتحمله البنك أي لا يتحمله العميل لكن التجربة تفيد عكس ذلك في أمرين؛ الأول: في الفترة الزمنية لتصويب الخطأ فهو يحتاج الى اسبوع عمل على الاقل يضعك في وضع محرج فلا انت قادر على سحب المبلغ من حسابك الدولار، ولا انت حاصل على المبلغ في حسابك الشيقل فتضيع مخططاتك أو على الاقل تتبدل. وطبعا على العكس تماما لو كان الامر لصالح البنك فلا يتعدى بضع ثواني أو "كبسة زر" على سيف الالات فائقة التقنية. والثاني: العميل يدفع من حسابه فرق تبديل العملة، على الرغم من انه خطأ البنك إلا أن العميل يدفع فرق العملة. وفي حسبة بسيطة اذا كان لدينا 10 الاف "فهلوي" مقترضين من هذا البنك، وفرق العملة كانت حوالي 20.48 شيقل، فإن الانظمة المحوسبة والتقنيات عالية الجودة في البنك قد جمعت "عيدية" في كل مناسبة "الفطر والأضحى" حولي 205 الالف شيقل أي ما يقارب النصف مليون شيقل في المناسبتين. بالإضافة الى العملات والفوائد لمئات الالاف من العملاء رغم أنها فرديا قليلة تعد بالشواقل، إلا أنها تصبح مبالغ عالية أو عالية كثيرا قد تصل الى ملايين الشواقل.
وأثناء تمحيصي وبحثي، تشاركت مع أحد الاصدقاء هموم الفوائد والعملات، قال لي إنه أودع في أحد البنوك الاسلامية مبلغا من المال في حساب توفير، وبعد عام وجد أنه قد نقص من المبلغ بضع دولارات، وعند سؤاله، قالوا إنها عمولة، فصاحبي لا يريد فائدة أصلا. ضحكت ليس لأن الامر سيان ما بين البنوك العادية "الربوية" والاسلامية بل لأن الاحتفاظ بالمبلغ تحت "البلاطة" يضمن عدم النقصان، وفي الحالتين "البنك والبلاطة" لا يضمنان الاحتفاظ القيمة الشرائية "السوقية" للمبلغ في بلادنا.