مشكلة الشعوب في بلداننا العربية .. أنها تصدق كل ما يَصدر عن الإعلام مرئيا أكان أو مسموعا..ولو أشاع الإعلام بخبر مضلل ومتناقض ومقصود.. لا محل له من الإعراب على سطح الكرة الأرضية مثل أنباء عن اختفاء صدام حسين بإحدى القرى العراقية وأنه .. لم يُعدم بل حيّ يرزق أو أن حركتي فتح وحماس بالتوافق بينهما تم اندماجهما وتذويبهما معا بفصيل واحد كبير اسمه حركة "فتح الماس " ..وأن أول مؤسس لحكومة الوفاق الوطني هو الزعيم محمد فريد ولا يميزون بين الحزب الوطني أو الوفاق الوطني ..بل سنجد من يسلمون بالقول ويدافعون عنه بكل شراسة وكأنه اليقين الخالص ..ولا ضير اليوم.. لأن الذي يقود الشعوب لا الساسة ولا الزعامات أو الرؤساء بل من يمتلك الإعلام يقود كل شيء وكيفما يشاء ومن أي بقعة يقطنها.. إذا ..الأمر الحكمي أو السيادي الآن غير مقيد بحدود سيادية ولا يحتاج إلى التدقيق المخابراتي أو الاستخباري للحفاظ على زمام السيطرة أو الحكم فقل لي ما مدى قوة إعلامك أقل لك من تقود .. !! ببساطة شديدة لأن كل شيء أصبح مكشوفا لدى الجميع ..ولأن تلك الشعوب الكثير منهم غارقون في ملذات الطموح السرابي فيصور لهم خيالهم الناصع البياض كقلوبهم.. بأنهم يلتمسون طريقا يُعتقد أن فيه النجاة من الطوفان.. وكأن البحث عن أي خبر أو وسيلة سريعة تفتح لهم باب أمل أو بصيص من نور يساعدهم في الحصول على لقمة العيش وحتى ولوكانت أقراص خبزهم فتاتها السوس بديلا عن الطحين ..وسط الظروف المادية الخارقة الحارقة المتفجرة ظنا منهم أنه الجبل الذي يأويهم إليه فيعصمهم من ذاك الطوفان الجارف..طوفان الفقر والقهر والاستبداد ..فما عاد هناك وقت للتحليل أي تحليل الخبر أي خبر.. ثم إبداء الرأي أو الحكم عليه ..بعدما انهارت كل العقول وأنهكت كل الأجساد والقوى ..المشكلة أن المثقفين أو المحسوبين على عالم الفكر والثقافة هم المفروض أنهم القدوة الذين يساعدون الناس على تبسيط المعقدات وفك طلاسيم خزعبلاتها.. إلا أنهم يسارعون بتصديق كل شيء عن الوشايات التي تحاك عبر الوسائل الإعلامية المدسوسة هنا أو هناك في الوقت الذي فيه العوام من الناس يستبعدون تصديق الخبر بسهولة، ويتشككون في مصداقيته ..فمثلا في بلادنا فلسطين توسم الناس خيرا واستبشروا بحكومة الوفاق الوطني بعد الاتفاق على إنهاء حالة الصراع أو الاحتقان والغليان الذي كان يخيم على الأجواء في ساحتنا الداخلية ..وكانت فرحتهم كبيرة لما قدمت حكومة التوافق إلى غزة لأول مرة لأن ذلك يعني تجسيد وتطبيق ما تم الاتفاق عليه بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبين حركة حماس ويعني ذلك أنها النيه المحضة في إنهاء الصراع وبدء البناء والإعمار بعد الخراب الجم الذي أحل بأرضنا في غزة نتيجة للحرب الطاحنة التي شنها العدوان الإسرائيلي الغاشم ..وها قد غادر وفد الحكومة غزة ،و الذي يرأسه دولة رئيس الوزراء د.رامي الحمد الله ..فتصور المفكرين والعقلاء أنه بمجرد حدوث تلك الحقائق ..فهذا يكفي ويبشر باستلام الحكومة مهامها في قطاع غزة ،وشاعت بعض الوسائل الإعلامية انه هناك استلام وشيك وسريع لتسليم المعابر الحدودية لحرس الرئيس وبعض رجال المخابرات وحتى تعمل تلك المعابر على إدخال البضائع ومواد البناء وكل الضروريات اللازمة لقطاع غزة وهو مطلب ضروري يطمئن المانحين تجاه مجريات عملية إعادة الإعمار..فالشعوب التي ذاقت وبال الحصار والقيد والضغوطات المادية الهائلة تدرك تماما معنى أهمية فتح المعابر التي تسهل العيش للجميع.. تلك المعابر التي هي بمثابة الشريان الرئيسي للحياة والرئتين التي يتنفس بها الجميع الصعداء ..وتصور الجميع بمجرد انعقاد مؤتمر الدول المانحة لإعمار غزة والذي عقد في القاهرة مؤخرا أنه ستفتح الحدود والسدود وسينهل جميع المتعطشين من نهر الأمل والبناء ويهنأ بالعيش الكريم كبقية شعوب الأرض.. لكن البسطاء وحدهم لا المفكرين هم الذين يكتشفون الوقائع وأن ما حدث هو مجرد مسرحية جدلية هزيلة لا جمهور لها ولا أبطال ..فلا جديد تحت الشمس.. فالمعابر مغلقة كما هي ولا استلام للوزارات ولا تسليم ولا نية لحدوث ذلك وكأن كل ماحدث هو مجرد نقل صورة وهمية للعالم الداعم والمتبرع لبناء غزة أن هناك توافقا سياسيا وأرضية جاهزة يمكن التعامل معها بثقة كاملة ..وأن هناك بكل شفافية صندوقا آمنا لحفظ أموالهم التي لن تُهدر سدىً لكن الحقيقة المرة أنه لاتوافق ولا إنهاء للانقسام الذي يلمح الجميع مظاهره على أرض الواقع إذا هي مصالحة إعلامية فقط هدفها جباية الأموال بطرق مشروعة بعيدا عن الحظر والإغلاق والعقوبات وإلا مامعني تلك التصريحات المحبطة أنه ليس هنالك أي موظفين من السلطة يعملون على المعابر،وإن افترضنا أنه سيتم ..فهو على مبدأ المحاصصة أوالشراكة التامة وليس استلام أو تسليم والشراكة الوحيدة التي يمكن أن تجنى ثمارها هي تلك التي ترسخ دولة في غزة وأخرى في الضفة مع توصيلهما بحنفية مالية واحدة أما أن تكون هناك شراكة أو امتزاج فهذا صعب المنال لأن هناك مواد كارهة مشتركة غير مائية لا يمكن أن تذوب في الماء ..وكذلك أنه لاتوافق ولا ترتيبات أيضا على الطواقم من موظفي الحكومة والتي من المفترض بأنها ستتولى مهمة الإشراف على نقل البضائع لإعادة إعمار غزة وحركة المسافرين بين الضفة وغزة، أنا أعتقد برؤيتي المحدودة إذا لم تجري الأمور على ما تم الاتفاق عليها وكما روج الإعلام بها .. فإنه سيتسلم المعابر والحدود عما قريب الذين هُدّمت بيوتهم والذين هم لايزالون يقبعون في العراء بعد أن طفح بهم الكيل ..قناعة منهم بأنه ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ وأن هناك فرقا فائقا بين الذين يتنعمون بالقصور، وبين الذين لا تأويهم حتى الخيام ونحن على مقربة من برد الشتاء ..!!