الخروف المحشي ونمطية التفكير

بقلم: مازن صافي

الانسان مختلف من مكان لمكان، وبالتالي فإن منطق التفكير واسلوبه يختلف من بيئة لبيئة، ولربما هذا ما يسمى بـتأثير "الصدمة الثقافية" للوافد من بلد الى آخر، وخاصة ان كان مختلف اللغة او الحضارة او حتى الموقع الجغرافي.

ولكي ننجو من الوقوع في الخطأ، علينا أن ندرك انه من الخطأ تجاهل السمات التي يتمتع بها كل شعب، وفي الوقت الذي نتفهم او نعرف هذه النمطية، يكون بمقدورنا النجاح بصورة اسرع وتقليل نسبة الخطأ أو الفشل.

هنا مثلا يمكنك بكل اريحية ان تنادي على ابن الخليج العربي " يا عربي " فسوف يتقبلها منك بصدر رحب وسعادة، ولكن في مصر مثلا قد لا يتفاعل معها، وفي بلاد المغرب العربي قد تبدو " غريبة"، وهذا الأمر ينطبق ايضا على الإنجليزي، فهو يفضل دائما أن تطلق عليه "إنجليزيا" وليس" بريطانيا"، ولكي تتضح الصورة نقول أن هذا يعود الى الستينيات من القرن الماضي، حيث كان أي شخص يولد في إحدى المستعمرات البريطانية يحمل جوازا بريطانيا، ويحق له الهجرة الى انجلترا، فالبريطاني اذت قد يكون وافد من أي مكان أما الانجليزي فهو ابن الأرض الأصلية.

وبخصوص الطباع ونمطية التفكير، فالانجليزي يفضل أن تصل متأخرا بعشر دقائق خير لك من أن تسبق الموعد بدقيقة واحدة وخاصة في المناسبات الاجتماعية، بينما الفرنسيين يعتبرون ان التأخير لمدة دقيقة واحدة يعتبر إهانة لهم، وكما أن العربي دائما يبدو " بشوشا" ويلح في الترحاب والسؤال، وهذا يعتبر نوع من "الكرم الاجتماعي" فإن الانجليزي لا يحب التتحدث الى الغرباء ولا يبادر بطرح أي سؤال شخصي، ولا يجيبك عن أي سؤال شخصي توجهه له الا في حدود خاصة جدا وبالغالب يقتضب، وفي عالمنا الاجتماعي نعتبر ان من يرفض دعوتنا له لوليمة "الخروف المحشي" إهانة عظيمة تستوجب تحريك الجاهات والواسطات لترطيب الأجواء ومعرفة جوهر الاسباب، أما الانجليزي فهو ببساطة لن يشعر بأي إهانة او ملاحظة في حال رفضت دعوته لتناول الشاي، وبالتالي هو لا ينتظر منك ذلك. وسبحان الله نحن لا نعشق الحديث الا على الطعام ولربما لا يتذكر الأب أن إبنه أخطأ إلا وهو يتناول اول طعامه، وكثيرا ما نسمع ان طاولات الأكل قلبت كما هي نتيجة خلافات حدثت ومناوشات أثناء تناول الطعام، وبينما الفرنسيين يعتبرون ان مجرد الحديث على طاولة الطعام والتي قد تستغرق ساعتين نوعا من الاهانة وفقر في تعلم آداب الأتيكيت ولذا يتجنبوا أي حديث عن العمل أثناء الأكل.، وهو الفرنسي نفسه الذي يعتز ببلاغته اللغوية ويعشق الحديث والمبادلة ولا شيء يمتعه أكثر من الجدل المجرَّد الذي يدور أثناء إحتساء القهوة الصباحية، وهو يعتمد في تفكيره على مخاطبة منطق التفكير والبعد عن استشارة العواطف، وأما الألمان فهم يعتبرون ان مجرد إطلاقك للنكات أثناء العمل "إهانة" وشيء غير مناسب على اٌطلاق.

ولأن لغة العيون لغة ناطقة، فلا تتوقع ان الكل ينطقها او يحبذها، فلا تتوقع ان تتواصل مع الأسيوي بلغة العيون، لأنه يعتبر ذلك تصرفاً غير لائق، فبالتالي لا يغرنك تعدد ألوان العيون هناك، فهي غير مؤثرة في التفاوض او العقود، فمثلا الروسي الذي يقول لك عن أحد الأمور "أنه لا يبدو مناسباً" فهذا يعني أنه مستحيل التنفيذ. وكما يجب ان نعرف أن الألمان هم "أسياد العقود" فالعقود عندهم أكثر تفصيلا من الأمريكان، وهم الأكثر حرصا على إعدادها،وحين تنهي عقد صفقتك مع الالماني، فتأكد أن الأمر في حكم المنتهي، لأنهم لا يسعون أبداً لإجراء أي تغيير عليه، فهكذا تعودوا في منطق تفكيرهم واسلوبهم في العمل والحياة. بينما نجد أننا في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا في وسطنا العربي نعتمد على فكرة" وقع ثم فاوض"، لأننا نعتمد على توقيع العقود كبداية للتفاوض.

وأخيرا، وبينما تعلمنا ان وضع اليد أثناء الحديث عن العمل في الجيب يعني نوع من الثقة، فالألمان يعتبرون وضع اليد في الجيب أثناء الحديث تصرف غير لائق وقد يخسرك الفوز بالوظيفة حتى وان كنت من المتفوقين علمياً.

إن منطق التفكير يجب أن يكون حاضرا لدينا حين ننتقل من بيئة لبيئة وحين نتعامل مع الآخرين، لكي لا نسقط نمطيتنا على الغير وننتظر منهم سرعة الاستجابة والتوافق معنا، و نشكو الفشل في نهاية المطاف .