لم يكن يعلم ذاك الفلّاح بأن يوما ما سيأتي ليستجدي جنديا للسماح له بالعبور إلى أرضه ، ولم يخطر بباله قط بأنّ العبور إلى زيتوناته سيحتاج إلى تصريح في مواسم معينة ..
فذاك الفلّاح يقف كل يومٍ مع اشراقة الشّمس على بوابة جدار عنصري ، ينتظر جنديا للسماح له بالمرور إلى حقله ليقطف زيتوناته، فحين تنظر إلى ذاك الفلّاح بعينيه الغائرتين وتجعايد محيّاه التي أكلها الدّهر ، ترى بأنه مُصرّ على الوصول إلى أرضه لقطف زيتونه المحاصر من مستوطنين اعتدادوا سرقة محصول الزيتون أو تكسيره أو إحراقه ...
يشعر ذاك الفلّاح بالإهانة وهو يقف على بوابة الكترونية .. ويحرسها عدة جنود غير آبهين للفلاح وهو ينتظر بشغف للدخول لأرضه عند ساعات الصّباح الأولى ، وأشعة الشمس تلوح وجهه المحفور من عذابات السنين ، لكن عشقه للزيتون يجعله يتذلل مرغما ، لأنه يحب زيتوناته التي غرسها بيده حينما كان فتىً ، والآن أصبح كهلا، وزاد عشقه للزيتون أكثر .. ولن يفرط بأرضه مهما كلفه الأمر .. فزيتوناته بالنسبة له أغلى من أي شيء .. فعشقه لشجراته لا يقاوم .. ويبكي حينما يصل أرضه ، لأنه كان في السّابق يطأ حقله كل يوم .. أما الآن بعدما بُني الجدار ، صار يتحكم الاحتلال في منحه تصريح لأرضه.. وهذا يجعل الفلّاح في حزن دائم ٍوألم قاتل ..
فالزيتون يدرك عاشقه .. وذاك الفلّاح رغم أنه يتألم من حصار شجراته بجدار بشع ، إلا أن حقله يبقى له هاجسا يحلم به ليل نهار .. ولن يترك ذاك الفلّاح أرضه ، وهذا ما يراه المرء بعيني رجل شغوف عاشق لزيتون ما زال عرضة للاقتلاع والتخريب على أيدي حاقدين ، أتوا للإستيطان على جبال غرسها الفلّاح منذ القدم أشجار زيتون .. فحين ما ترى فلّاحا يصرّ على الدخول إلى أرضه رغما عن الاحتلال ، فهذا يعني أن عشق الزيتون أقوى من أي عشق ... ولن توقفه رصاصات جنود أتوا لحماية قاتلي الزيتون .